في مثل الأيام من أواخر أبريل عام 1921، عاش الفلسطينيون في مدينة يافا بالداخل الفلسطيني المحتل، مقدمات ما عُرفت بانتفاضة يافا أو ثورة يافا، التي ارتقى فيها نحو 157 شهيدًا وجُرح 700 آخرين على يد العصابات الصهيونية.
كانت ذروة الأحداث فيما يُعرف بيوم العمال 1/5/1921، حيث أقامت أحزاب العمال الاشتراكية الصهيونية في "تل أبيب"، مظاهرتين بذكرى هذه المناسبة، وبعد الانتهاء من التظاهر قام المشاركون، تحرسهم القوات البريطانية، بالهجوم على حي المنشية الفلسطيني في يافا.
وضمن ملف أطلقته وكالة الصحافة الفلسطينية "صفا" حول مجازر وملفات مخفية، في أرشيف الاحتلال ولدى مؤرخين، منذ عام النكبة 1948، تسلط الضوء على "ثورة يافا".
محاولات انتقام تنقلب لثورة
ويقول المحامي المختص بالكشف عن الملفات، جهاد أبو ريا: "إن هجوم الصهاينة على حي المنشية، جاء محاولة للانتقام على قتلاهم في أحداث هبة النبي موسى في القدس، والتي امتدت من الرابع وحتى العاشر من نيسان من العام 1920".
ويفيد بأن الفلسطينيين في المنشية ويافا تصدوا لهجوم المتظاهرين الصهاينة، وردوا عليهم، وخاصة في مركز القادمين الجدد في يافا، أو ما يسمى "بيت هحلوتس" القريب من المستشفى الفرنسي وقتلوا عددًا منهم.
"وفي اليوم التالي أعاد الصهاينة الهجوم على يافا وعلى قرية العباسية تحديدًا، وقتلوا عددًا من الأهالي الأبرياء، فرد عليهم الفلسطينيون، من عشيرة أبو كشك، يقودهم الشيخ شاكر أبو كشك، من خلال الهجوم على "بيتح تكفا"-فلسطينيًا تسمى ملبس- فتصدت لهم القوات البريطانية، وقتلت منهم نحو 60 فلسطينيًا.
وتوسعت الانتفاضة فيما باتت تعرف بـ"انتفاضة يافا أو ثورة يافا"، وراح ضحية هذه الأحداث نحو 157 شهيدًا و700 جريح من الفلسطينيين، بينما سقط من الصهاينة والبريطانيين 57 قتيلاً و 146 جريحًا.
"داعم الثورة" ومحاولة اغتياله
ووفق أبو ريا، فقد اتهم الصهاينة الفلسطيني "توفيق بك الغصين" بدعم هذه الانتفاضة، والوقوف وراءها ووراء المقاومة ضد محاولة سيطرة الصهاينة على البلاد، والتحريض عليهم، وقدموا الشكاوى ضده إلى المندوب السامي.
وعن توفيق بك الغصين، يقول "إنه أحد وجهاء مدينة الرملة ولد في الرملة سنة 1867، وكانت عائلته العريقة مسؤولة عن تنظيم موسم النبي صالح في المدينة، وشغل عدة مناصب رفيعة، وكانت له علاقات قوية مع زعماء كبار في المنطقة".
كما اتهم الصهاينة توفيق، بالوقوف وراء الهجوم على مستوطنة ريشون لتسيون "ملبس"، وعلى بيت القادمين الجدد "بيت هحالوتس" في يافا، وبالتحريض على مهاجمة المستوطنات نيس تسيونا "وادي حنين"، ورحوفوت "دران"، وريشون لتيسون وهي عيون قارة.
كما يقول أبو ريا: إن الصهاينة زعموا للمندوب السامي أنهم حصلوا على اعترافات أحد الجرحى الفلسطينيين الذين هاجموا "بيتح تكفا"، يعترف من خلالها أن توفيق بك الغصين هو من أمدهم بالسلاح.
كما قدموا تقريرًا عن اجتماع أقيم في مدينة الرملة بتاريخ 2/4/1920، شارك فيه قيادة الفلسطينيين من جميع أنحاء فلسطين، دعا به توفيق بك الغصين إلى تنظيم المقاومة ضد الصهاينة وهزمهم.
وفي يوم الأربعاء الموافق 17/1/1923، وتحديدًا الساعة 17:15وبينما تواجد توفيق بك الغصين في بيته الفخم بقرية وادي حنين القريبة من مدينة الرملة، أطلق احد أعضاء العصابات الصهيونية، ويدعى "يرحميئيل لوكتشر" النار صوب الشهيد "على توفيق بك السعيد" في حي المنشية في مدينة يافا، فارتقى شهيدًا.
لكن الملفات ودراسة لـ "لوكتشر" نفسه، تؤكد بأن علي توفيق بيك السعيد، والذي عمل لفترة في الشرطة البريطانية، لم يكن المقصود من عملية الاغتيال، وبأن توفيق بك الغصين هو المقصود، وأنه "نجا منها نتيجة لخطأ في التعرف على هويته، فتم إعدام توفيق بك السعيد مكانه".
يُذكر أن توفيق بك الغصين كان قد بنى بيتاً فخماً على إحدى التلال في قرية وادي حنين، وكان بيته مقرًا للمقاومين، واستضاف العديد من الاجتماعات في بيته دعمًا للمقاومة والجهاد ضد الصهاينة والبريطانيين، حتى وفاته عام ١٩٣٧.
وفي عام وفاته، كان ابنه يعقوب منفياً إلى جزيرة "سيشيل" بعد اغتيال المفوض البريطاني لمنطقة الجليل لويس أندروز، في مدينة الناصرة يوم الأحد 26/9/1937، ولم يستطع المشاركة في جنازة والده.