في ليلة الجمعة الأولى من رمضان، كانت شهد تتقلب في فراشها بين الشوق والقلق، في انتظار بزوغ الصباح لبدء رحلتها الشاقة إلى المسجد الأقصى المبارك بمدينة القدس المحتلة.
ومع ساعات الفجر شدت رحالها نحو القدس، مروراً بسلسلة تضييقات ومتاعب تهدف إلى تعجيز الوافدين ومنعهم من الوصول إلى المسجد الأقصى.
ويحاول الآلاف من أهالي الضفة الغربية المحتلة الوصول إلى المسجد الأقصى في كلّ عام خلال جمع شهر رمضان وليلة السابع والعشرين "ليلة القدر".
ويتوافد أهالي جنوب الضفة للعبور عبر حاجز 300 العسكري شمالي بيت لحم إلى مدينة القدس، في حين يتجمع أهالي الشمال والوسط للدخول من حاجز قلنديا شمالي القدس.
وتروي شهد شويكي لوكالة "صفا" طريقها إلى مدينة القدس الذي يبدأ بالانتظار لساعات على حاجز قلنديا وسط الزحام الشديد.
وتبيّن أنها تنزل من المركبة عند أقرب نقطة ممكنة من الحاجز لتجاوز الأزمة، وتكمل بعدها سيراً على الأقدام ومعها زحف من النساء والرجال والشيوخ والأطفال.
وفي محيط الحاجز الواسع الذي لا يتسع للوافدين، انتظرت نحو أربع ساعات بسبب إغلاق قوات الاحتلال المتكرر للحاجز بهدف تعجيز الناس وإرهاقهم ليعودوا إلى منازلهم.
وتقول "إن لم تحفظ توازنك أثناء تدافع الناس عند الحاجز ستقف مائلاً على قدم واحدة وإذا أسقطت شيئاً فمن المستحيل التقاطه".
وأثناء انتظارها الصامت لا تسمع سوى بكاء الأطفال، ودعاء العجائز اللواتي أرهقهن طول الوقوف ونداء الإسعاف وصوت جندي لا يتقن العربية يقول "ارجع".
وتسارع نبضات قلبها مرتبط بالمسافة التي تفصلها عن الحاجز، فإما أن يمنعها الاحتلال من العبور وتعود إلى منزلها أو يحالفها الحظ بالعبور والوصول إلى المسجد الأقصى.
وتوضح شذى أنها تمر في ثلاث محطات للأزمة الخانقة، الأولى عند عبور بوابة الجدار، ثم محطة تدقيق هويات المصلين، ونهاية عند موقف الباصات المتجهة إلى المسجد الأقصى.
وتضيف "رغم تدافع الناس والاكتظاظ الخانق إلا أنه مشد تبتهج له النفس، عندما ترا آلاف الوفود تقبل إلى المسجد الأقصى رغم تضييقات الاحتلال وصعوبة الوصول إليه".
وتشير إلى أن ما يعلنه الاحتلال قبل قدوم الشهر الفضيل من تسهيلات تسمح بدخول جميع النساء والرجال فوق سن الــخمسين، لا أصل لها ولا وجود على أرض الواقع ويُمنع المئات من الدخول إلى القدس تحت حجة "المنع الأمني".
وتلفت إلى أنها في سابقة منعها الاحتلال من العبور بحجة المنع الأمني، ما دفعها لتكرير المحاولة مرات عديدة حتى حفظها الجنود المتمكزين على الحاجز.
وتتابع "بعدما يئست من تكرار المحاولات قررت المخاطرة وانتظرت بضع دقائق على جانب أحد الممرات الموصدة حتى غافلت الجنود وانزلقت عبرها".
اجتياز الجدار
أما الشبان فطريقهم أوعر وأصعب، فليس لهم غير تسلق جدار الفصل الذي يتراوح طوله بين خمسة إلى تسعة أمتار، باستخدام السلالم والحبال للوصول إلى الجانب الآخر.
ويروي الشاب قصي قاسم في حديث لوكالة "صفا" تجربته في مكابدة عناء طريق الوصول إلى القدس، موضحاً أنه وإن اجتاز الجدار فقد لا يتمكن من دخول المسجد الأقصى بسبب الجنود المتمركزين على أبوابه.
ويقول إنه توجه ومجموعة من أصدقائه لتسلق الجدار في منطقة بعيدة عن نقاط الجيش العسكرية، مستعينين بسلم لا يصل طوله إلى آخر الجدار وحبل يتسخدمونه عند نزولهم إلى الجانب الآخر.
ويبيّن أن الشبان يصعدون ولا يعلمون ماذا يوجد خلف الجدار وفي كثير من الأحيان تكون دوريات شرطة الاحتلال في انتظارهم في الناحية الأخرى.
ويشير إلى أن الشبان يضطرون للقفز على ارتفاعات عالية ما يعرضهم للإصابة بكسور وجروح.
ويضيف "تتجرح أيدينا جراء محاولتنا التمسك بالجدار الإسمنتي أثناء الصعود، وفي النزول تنسلخ كفوف الشبان بفعل الحبل الذي يستعينون به للنزول، إذ يتمسكون به قدر استطاعتهم لتقليل ارتفاع قفزتهم".
وبعد اجتياز الجدار غالباً ما تنطلق عملية مطاردة تحت مطر من الرصاص والغاز، ومن الشبان من ينجح بالهرب ومنهم من يتم اعتقاله.
ويلف قاسم إلى أن عدة دوريات للشرطة تعترض طريق الشبان للوصول إلى المسجد الأقصى، وفي كل مرة لا يعتمد سوى على حظه في تمام وصوله إلى باب الأقصى.
وفي مشهد طريف مؤلم روى الشاب قاسم عن لحظة توقيفه ومجموعة من أصدقائه في شوارع القدس من قبل شرطة الاحتلال، وقال "سألنا الجندي بالترتيب: "من أين أنت؟"، وكلنا أجبنا ذات الإجابة: "من هون من الطور"، محاولين تقليد اللهجة المقدسية التي لم نفلح في اتقانها حتى اقتادنا الجنود ساخرين إلى تحقيق المسكوبية".
أما إذا حالفه الحظ ووصل إلى بوابات المسجد الأقصى فليس له شفيع حينها إلا الأزمة واكتظاظ الناس، إذ يعجز الجنود عن توقيف الشبان من شدة الازدحام، فيقصد الشبان أوقات الأزمة للنجاح بالوصول إلى المسجد الأقصى بعد عناء طويل.