تشترك أحداث يوم الأرض التي اندلعت عام 1976م في الداخل الفلسطيني المحتل في نفس الأسباب التي اندلعت من أجلها هبة النقب قبل نحو عام، إذ كانت محاولات الاحتلال الإسرائيلي السيطرة على الأرض هي صاعق تفجير الأحداث.
واندلعت أحداث يوم الأرض قبل 47 عامًا عندما صادرت سلطات الاحتلال نحو 21 ألف دونم من أراضي الجليل، فيما أوقدت هجمة تجريف وتحريش إسرائيلية لأراضي النقب شرارة احتجاجات واسعة أوقفت مخططات الاحتلال الاقتلاعية، ولو مؤقتًا في المنطقة.
وفي 30 آذار/ مارس عام 1976 هب فلسطينيو 48 ضد استيلاء الاحتلال على أراضٍ بالجليل، وهو ما عُرف بـ"يوم الأرض"، وصاحبه إعلان الإضراب العام، لكن الاحتلال حاول كسره بالقوة، ما أدى إلى اندلاع مواجهات، أسفرت عن استشهاد ستة فلسطينيين، وإصابة واعتقال المئات.
وشهداء يوم الأرض الخالد هم: خير ياسين من عرابة البطوف، رجا أبو ريا من سخنين، خضر خلايلة من سخنين، رأفت الزهيري من عين شمس، حسن طه من كفر كنا، خديجة شواهنة من سخنين.
وفي مطلع يناير/ كانون ثاني 2022، شهد النقب هبة شعبية ضد الهجمة الإسرائيلية التي تعرض لها خلال ثلاثة أشهر سبقت، لتجريف وتحريش أراضيه، بهدف تمرير مخططات الاحتلال الاقتلاعية، وحسم قضية الأرض.
وعلى أثر التغول الإسرائيلي على الأرض، اندلعت احتجاجات تطورت إلى مواجهات مع قوات الاحتلال، أسفرت عن عشرات الإصابات ومئات المعتقلين بينهم قاصرون وفتيات.
وتؤكد أحداث يوم الأرض وهبة النقب أن الأرض جوهر الصراع مع الاحتلال، الذي لا ينفك عن سياساته الممنهجة لمصادرتها سواء بالداخل المحتل أو مدينة القدس أو الضفة الغربية، تحت مبررات متعددة، تهدف لتهجير الفلسطينيين أصحاب الأرض، وإحلال اليهود مكانهم.
ويعيش في النقب، الذي تبلغ مساحته ما يزيد عن 14 ألف كيلو متر مربع، نحو مليون نسمة، بينهم 32% فقط من الفلسطينيين يقيمون على أقل من 5% من أراضيه، في 45 قرية تريد "إسرائيل" تهجيرها وتجميع سكانها بأقل مساحة ممكنة لمصادرتها.
وما حدث في النقب من عمليات تجريف للأراضي وهدم للمنازل في عدة قرى هدف إلى تنفيذ مشروع استيطاني ضخم تحت شعار "تشجير الصحراء" الذي تتخذه "إسرائيل" ستارًا لتهجير الفلسطينيين وتجريف أراضيهم وبعثرة قراهم وبيوتهم، ومن ثم طمس هويتهم الوطنية.
وما أشعل فتيل الأوضاع، استئناف جرافات الاحتلال عمليات التجريف والهدم في قرية الأطرش بالنقب، والعديد من القرى الأخرى "مسلوبة الاعتراف"، بهدف مصادرتها مما يسمى بالصندوق اليهودي "كيرن كيميت".
وإلى جانب عمليات التجريف، أعلنت وزيرة داخلية الاحتلال إيليت شاكيد المصادقة على تنفيذ عدة مخططات استيطانية لإقامة نحو 20 بلدة يهودية ومصانع للفوسفات ومشاريع سكك حديدية على المساحة التي يقيم عليها الفلسطينيون بالنقب.
وتتمثل مشكلة "إسرائيل" مع هبة النقب بأن هذه المنطقة تضم عددًا من أهم القواعد العسكرية والمرافق الأمنية الحساسة، كما تضم مفاعل ديمونة النووي، وتُشرف القرى الفلسطينية فيها على شبكة الطرق التي يسلكها جيش الاحتلال.
ويرتبط مفهوم يوم الأرض وذكراه، مع المعركة اليوميّة لأهالي النقب، والتي تتمحور في الأساس حول ملكيّة الأرض والوجود الفلسطيني المُهدد بالتهجير والاقتلاع القسري، ناهيك عن الملاحقة المستمرة للشباب الرافض لممارسات الاحتلال ومحاولات طمس الوعي.
ومنذ عام 1948، صادرت سلطات الاحتلال أكثر من 96% من أراضي النقب، ويدور الصراع حاليًا على مساحة نحو 3%.
وعادت سلطات الاحتلال مؤخرًا للعبث بالفتيل الذي أشعل الهبة الشعبية في النقب العام الماضي عبر مهاجمة قرية أم الأطرش-سعوة وتحريش أراضيها.
ويُعد التحريش أسلوبًا إسرائيليًا مستحدثًا لمصادرة الأراضي، إذ تغرس ما تسمى دائرة "أراضي إسرائيل" أشجارًا حرشية معظمها ضارة في الأراضي لمنع الأهالي من استخدامها أو الاستفادة منها بزعم أنها "أراضي دولة".
وتتجاهل سلطات الاحتلال أن أراضي النقب مملوكة لأبنائها الفلسطينيين العرب قبل عام 1948، ومنذ أيام الحكم العثماني وأن معظم أصحابها يمتلكون إثباتات ملكية، لكنها مع ذلك تواصل مصادرة ما تبقى من أراضيها.