لأن الاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك يشكل درعًا ورأس حربة في الدفاع عنه وإفشال مخططات المستوطنين واقتحاماتهم للمسجد، تمكن مرابطون ومصلون من فتح باب الاعتكاف منذ بداية شهر رمضان المبارك، مُتَحَدّين قرارات الاحتلال الإسرائيلي.
وتعد هذه الخطوة سابقة لم تحصل منذ احتلال المسجد الأقصى عام 1967، إلا مرة واحدة عام 2015 عندما أعلنت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة عن فتح باب الاعتكاف بالمسجد طيلة أيام رمضان.
وعلق مرابطون لافتات في عدة مرافق بالأقصى أعلنوا فيها عن فتح باب الاعتكاف بالمسجد من مساء الخميس وحتى نهاية الشهر الفضيل.
ويأتي الاعتكاف هذه الأيام، في ظل الأخطار المحدقة بالأقصى، والدعوات اليهودية المتطرفة لتنفيذ اقتحامات واسعة فيما يسمى "عيد الفصح" العبري الذي يتزامن مع الأسبوع الثالث من الشهر الفضيل، والاستعداد لـ"تقديم وذبح القرابين" في باحاته.
ولم يُفلح اقتحام شرطة الاحتلال قبل يومين، للمصلى القبلي واعتقالها اثنين من المرابطين في إرهاب المعتكفين وثنيهم عن الاعتكاف بالمسجد الأقصى.
وتُحاول سلطات الاحتلال أن تفرض "سيادتها" على المسجد، وتمنع الاعتكاف خوفًا من أي مواجهة قد تندلع مع المستوطنين، الذين يواصلون اقتحام المسجد حتى في رمضان.
صمام أمان
المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب يقول إن المرابطين أجبروا شرطة الاحتلال على فتح باب الاعتكاف في اليوم الأول من رمضان، لما له من خصوصية مهمة، وصمام أمان في التصدي للأخطار والمؤامرات التي تُحكيها "منظمات الهيكل" ضد الأقصى خلال الأيام المقبلة.
ويوضح أبو دياب، في حديث لوكالة "صفا"، أن الاعتكاف بدأ بعشرات المرابطين والمصلين، ومع الأيام ستتضاعف الأعداد حتى تصل للمئات، لإفشال مخططات الجماعات المتطرفة وما تسعى لتحقيقه داخل الأقصى من إدخال قرابين وانتهاك لحرمته وأداء صلوات تلمودية فيه.
وكان الاعتكاف يقتصر طيلة السنوات السابقة على العشر الأواخر من رمضان، إلا أنه فُتح عام 2015 من بداية رمضان، بهدف إفشال نية ما تسمى "منظمة أمناء الهيكل" إدخال حجر الأساس لبناء "الهيكل" المزعوم داخل الأقصى، كما يشير أبو دياب.
ويضيف أن "المعتكفين هم رأس الحربة في الدفاع عن الأقصى، لذلك فإن التواجد الكثيف بالمسجد منذ بداية الشهر الفضيل كفيل بإفشال ما تحاول سلطات الاحتلال فرضه على أرض الواقع لتكريس سيادتها على المسجد".
ويؤكد أن سلطات الاحتلال تحاول دائمًا فرض سيادتها على الأقصى، وسحب الصلاحيات من دائرة الأوقاف، والمسلمين، إلا أن كل إجراءاتها تبوء بالفشل، بسبب صمود المرابطين والمصلين ودفاعهم عن المسجد بكل ما يملكون.
وتمنع شرطة الاحتلال أي تواجد فلسطيني في المسجد الأقصى، بعد انتهاء صلاتي العشاء والتراويح، وتُغلق أبوابه، لكن المرابطين أصروا هذا العام على الاعتكاف في المصلى القبلي، في تحد واضح للقرارات الاحتلالية.
ويتابع أن الاعتكاف في الأقصى يرفع المخاطر عنه، ويُفشل سياسات الاحتلال ومستوطنيه، كما حدث في رمضان الماضي، عندما أفشل المرابطون والمعتكفون إدخال "قرابين الفصح" للأقصى.
لا سيادة للاحتلال
ومع حلول "عيد الفصح"- يقول الباحث المقدسي- قد يفكر الاحتلال بفرض قيود مشددة على دخول المسلمين للمسجد، بما فيها إغلاقه أمام المصلين، أو تحديد الأعمار والأعداد، لإتاحة المجال أمام اقتحامات المستوطنين.
ويؤكد أن الاعتكاف والتواجد الكبير في الأقصى يُشكلان خط الدفاع الأول عنه، مما يمنع الاحتلال من الإقدام على تنفيذ أي اعتداءات كبيرة بحق المرابطين والمعتكفين، وحتى "جماعات الهيكل" حين تعلم بتلك الأعداد، فإنها تتراجع وتخشى من ردود الفعل.
ويبين أن أهم ما يُميز الأقصى هو الاعتكاف، والذي يرسل رسالة واضحة للاحتلال مفادها بأن "لا سيادة على الأقصى إلا للمسلمين فقط".
ووفق أبو دياب، فإن الاحتلال يتخوف من ردة فعل المصلين، ولا يريد حدوث أي تصعيد وتوتر، من شأنه أن يُؤدي لاشتعال الأوضاع في مدينة القدس.
وأغاظ مشهد حشود المصلين بالمسجد الأقصى في الجمعة الأولى من رمضان، المستوطنين وما تسمى "منظمة العودة إلى جبل الهيكل" المتطرفة، والتي بدأت بالتحريض علنًا ضد المصلين، وطالبت بطردهم من المكان.
ورغم إجراءات الاحتلال وقيوده المشددة في محيط الأقصى والبلدة القديمة، إلا أن 100 ألف مصل فلسطيني أدوا صلاة الجمعة في باحاته، كما أدى 130 ألفًا صلاتي العشاء والتراويح.