عادةً ما يتخذ الأطفال المقدسيون ساحات المسجد الأقصى المبارك مكانًا لممارسة هوايتهم المفضلة في لعب كرة القدم، لكن ذلك المشهد لم يرق للاحتلال الإسرائيلي والجماعات الاستيطانية، التي تحاول مرارًا وتكرارًا منعهم، واعتبارها "جريمة يُعاقب عليها".
وتأخذ ممارسة لعبة كرة القدم داخل باحات الأقصى شكل التحدي لسياسات شرطة الاحتلال وإجراءاتها بحق المقدسيين، والتي لطالما حاولت منعها واعترضت ولاحقت الأطفال على أبواب المسجد وصادرت كراتهم التي يلعبون بها.
وكثيرًا ما يستغل أطفال البلدة القديمة بالقدس المحتلة أوقات فراغهم وأجواء شهر رمضان المبارك للعب كرة القدم داخل المسجد، للتأكيد على أحقيتهم وتمسكهم بأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، والدفاع عنه في مواجهة اقتحامات الاحتلال ومستوطنيه ومخططاتهم التهويدية.
وبات هذا التحدي والثبات يُزعج الاحتلال وجماعاته المتطرفة، التي تُطالب دائمًا بمصادرة كل كرة على الأبواب ومنع دخولها، وملاحقة لاعبيها وتقديمهم للتحقيق.
وأطلقت منظمة "بيدينو" الاستيطانية المتطرفة حملة حثت فيها أتباعها المتطرفين على تصوير أطفال القدس أثناء لعبهم كرة القدم في ساحات المسجد الأقصى، داعية لاعتبار ذلك "جريمة".
ووصفت المنظمة المتطرفة، الأطفال الفلسطينيين داخل الأقصى بـ"المجرمين"، مطالبة أتباعها بسلسلة إجراءات لمضايقة وترهيب الأطفال أثناء لعبهم.
وتضمنت تلك الإجراءات تصوير الأطفال ومحاولة التحقيق معهم لمعرفة أسمائهم، وتهديدهم بالسجن، بالإضافة إلى مطالبة شرطة الاحتلال بمنعهم من لعب كرة القدم داخل الأقصى.
تحدي للاحتلال
المختص في شؤون القدس جمال عمرو يقول إن لعب كرة القدم داخل ساحات المسجد الأقصى "يُشكل تحديًا كبيرًا للاحتلال والمستوطنين المقتحمين لباحاته".
ويوضح عمرو، في حديث لوكالة "صفا"، أن الاحتلال وجماعات المتطرفة تستهدف كل شيء يتعلق بالأقصى، بما فيها منع الأطفال المقدسيين من اللعب داخل ساحاته، بهدف إفراغ المسجد من الوجود الفلسطيني، وفرض واقع جديد فيه.
ويضيف أن "الاحتلال ليس لديه أي شيء مقدس، بل يعتبر الإنسان الفلسطيني بلا قيمة ولا وجود له في فلسطين، وما موضوع منع لعب الكرة إلا للتغطية على جرائمه واعتداءاته بحق الفلسطينيين، وتدنيس المسجد الأقصى".
ويتابع أن "المستوطنين يُدنسون باحات الأقصى وينتهكون حرمته بالملابس الفاضحة والأعمال الاستفزازية، وفي الوقت نفسه ينظرون إلى لعب كرة القدم على أنها تشكل انتهاكًا لقدسيته، هذه أكاذيب وافتراءات لا تنطلي على أحد، ومن حق الأطفال اللعب في ساحات المسجد".
وما يُقلق الاحتلال وجماعات المستوطنين مدى ارتباط هؤلاء الأطفال وعائلاتهم بالمسجد الأقصى والالتفاف حوله، وتحديهم لإجراءاته وسياساته الممنهجة، رُغم الملاحقة والتضييق والاعتقال، ومحاولته منعهم من اللعب.
وخلال سنوات سابقة، أصدرت محكمة الاحتلال قرارًا قضائيًا بإلزام أفراد الشرطة بمنع الأطفال الفلسطينيين من اللعب في ساحات المسجد، بناءً على التماس مقدّم من جمعيات يمينية متطرفة، زعمت أن "هذا الأمر يشكل انتهاكًا ومساسًا بالأماكن المقدسة".
تنغيص وتضييق
ويؤكد الناشط المقدسي ناصر الهدمي أن الاحتلال يعمل على تضييق الخناق على المقدسيين فيما يخص عبادتهم ووجودهم داخل الأقصى، والتنغيص عليهم عبر منع إدخال الطعام ولعب الكرة داخله.
ويوضح الهدمي لوكالة "صفا"، أن الاحتلال يهدف من خلال منع لعب الكرة، لإظهار سيطرته على هذا المكان المقدس الذي يتمتع بخصوصية ومكانة مهمة في العقيدة الإسلامية، ويسمح للفلسطينيين باللعب والجلوس والأكل داخله.
ويرى أن الاحتلال لا ينظر إلى المكان على أنه مقدس للمسلمين، بل يريد إظهار سيادته عليه، والتنغيص على المقدسيين بشتى الوسائل.
أما الباحث والمتخصص في علوم القدس والمسجد الأقصى عبد الله معروف فيرى أن "جماعات المعبد" تحاول من خلال منع لعب كرة القدم، فرض رؤيتها الدينية اليهودية على المسجد الأقصى، باعتباره "مقدسًا يهوديًا مخصصًا لأداء طقوس شعائرية دينية فقط".
ويؤكد أن تلك الجماعات المتطرفة تسعى لمنع المسلمين من ممارسة الرؤية الإسلامية للمسجد، باعتباره فضاءً دينيًا واجتماعيًا شاملًا لمناحي الحياة المختلفة.
وتشكل هذه الحملة- وفقًا لمعروف- ذروة المحاولات المتطرفة لتغيير الواقع في الأقصى والتعامل معه على أنه "مقدس يهودي" فقط، ما يفرض على المسلمين تحديًا كبيرًا لفرض الهوية الإسلامية للمسجد والتعامل مع وجود الأطفال ولعبهم فيه على أنها مسألةٌ تتعلق بتثبيت هويته الإسلامية لا باعتباره قضيةً جانبية.