جنيف - صفا
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن زوجات المفقودين من المهاجرين وطالبي اللجوء الفلسطينيين الذين حاولوا الهجرة من قطاع غزة هنَّ أكثر من يواجه عواقب اجتماعية واقتصادية ونفسية مركّبة ومعقّدة لفقد المهاجرين، حتى بعد مرور سنوات على اختفاء أزواجهن.
ووثق تقرير جديد نشره "الأورومتوسطي"، يوم الأحد، بعنوان "أعجز عن الحصول على لقب أرملة" العواقب طويلة الأمد التي يواجهها ذوو المفقودين في ظل حالة عدم اليقين المتعلقة بمصير أبنائهم.
وأظهر التقرير الذي استند إلى 50 مقابلة شخصية مع ذوي المفقودين من المهاجرين في القطاع استغلال أشخاص وعصابات أزمة عائلات المفقودين وحاجتهم للحصول على معلومات عنهم، حيث يتواصلون معهم ويزعمون معرفة مصير الضحايا أو مشاهدتهم أو امتلاك معلومات تدل على مصيرهم، ويطلبون من تلك العائلات مبالغ مالية كبيرة لقاء ذلك.
وفي جميع الحالات التي وثقها المرصد الأورومتوسطي، ثبت أنّ هؤلاء الأشخاص ينفذون عمليات ابتزاز منظّمة، ويستغلون حاجة الأهالي للاستيلاء على أموالهم.
وفي مقابلة مع "أسعد الجرف" وهو والد "هشام الجرف" (24 عامًا) الذي فُقد في حادثة غرق سفينة سبتمبر/ أيلول 2014، قال: "أتلقى باستمرار اتصالات من جهات تزعم امتلاك معلومات بشأن مصير ابني، وآخر تلك المحاولات كانت عن طريق شخص يُدعى "ح.ن" (يحتفظ الأورومتوسطي باسمه) إذ أخبرني أنّ ابني على قيد الحياة ومحتجز في أحد السجون المصرية، وزعم أنّه سُيسمعني صوته، واتفقت أن أدفع له مبلغ 2,000 دولار مقابل ذلك".
وأضاف "عند الاتصال بالشخص الذي من المفترض أنّه ابني، تفاجأت أنّ صوت ذلك الشخص لا يشبه أبدًا صوت ابني، كما كان يتحدث بلهجة بدوية لا يتحدث بها ابني. وبعد محاولات ذاتية في تتبع هؤلاء الأشخاص، علمت أنّهم موجودون في مصر، وأنّ الهدف الوحيد لادعاءاتهم هو ابتزازنا وأخذ أموالنا".
وكشف التقرير أن النساء عادةً ما يُعانين بشكلٍ مضاعف؛ حيث أخبرت الغالبية العظمى منهن الفريق الميداني للمرصد الأورومتوسطي أنهن يعجزن عن الحصول على لقب "أرملة" أو "مطلقة" نتيجة لعدة اعتبارات مجتمعية واقتصادية وقانونية، وبالتالي يبقين حبيسات للوضع الراهن وتتوقف حياتهن بشكل كامل، بحيث لا يستطعن تجاوز الأزمة والمضي قدمًا، ولا يمكنهن الزواج من آخرين وبدء حياة جديدة.
وفي إفادة لفريق المرصد الأورومتوسطي، قالت "صابرين المغني" زوجة "زياد راضي" (46 عامًا)، أحد مفقودي مركب للمهاجرين في 27 مارس/ آذار 2019: "لا مجال أبدًا للحديث عن إعلان طلاقي في المحكمة أو الزواج بشخص آخر، هناك عادات وتقاليد تستنكر هذا الفعل حتى لو كان مباحًا في الشرع والقانون، فنحن بالنهاية محكومون لتقاليد مجتمعنا، عوضًا عن أنني ما زلت أؤمن بأن زوجي ما يزال على قيد الحياة".
إلى جانب ذلك، تحجم العديد من عائلات المهاجرين وطالبي اللجوء المفقودين عن توزيع الميراث لاعتبارات مجتمعية. فعلى سبيل المثال، في حالة وفاة والد أحد المهاجرين من ضحايا حوادث الغرق، لا يمكن لعائلته الاستفادة من الميراث إلا في حال إعلان وفاته الحكمية، وهو ما ترفض كثير من العائلات فعله خوفًا من الوصمة الاجتماعية، أو فقد بعض المخصصات المالية التي يحصلون عليها بحكم فقدان المهاجر، أو لاعتقادهم أنّ المهاجر ما زال على قيد الحياة بالنظر إلى عدم العثور على جثته أو مكان دفنه حتى الآن.
وفي مقابلة مع فريق المرصد الأورومتوسطي، قالت "أسماء أبو دقة"، "، زوجة "ساري أبو دقة" (33 عامًا)، " الذي فُقد في حادثة غرق سفينة سبتمبر/ أيلول 2014: "توفي والد زوجي ولم نستطع الاستفادة من تركته وبقيت محجوزة في البنك حتى الآن، ويرجع ذلك إلى امتناعنا من استصدار وثائق رسمية تفيد بوفاة زوجي، لأنّ ذلك سيتسبب بحرماننا من الراتب الشهري الذي نحصل عليه بصفته موظفًا مفقودًا، كما يوجد عدة اعتبارات اجتماعية لا تسمح لي بإعلان وفاة زوجي".
وفي حال وصول معلومات لأهالي المفقودين بالعثور على جثثهم بعد حوادث الغرق، فإنهم يواجهون تحديات من نوع آخر، تتمثل في التعرف على هويات أبنائهم نتيجة عدم توفّر الإمكانيات الفنية اللازمة لذلك في قطاع غزة، والتعقيدات الكبيرة التي ترافق عملية إرسال عينات الحمض النووي خارج القطاع.
ورغم وجود بروتوكول لنقل عينات الحمض النووي من قطاع غزة للخارج عن طريق وزارة الخارجية الفلسطينية، إلا أن ذلك يتطلب موافقة السلطات الإسرائيلية بالدرجة الأولى، ويحتاج إلى تصاريح وموافقات خاصة تستغرق وقتًا طويلًا؛ لذلك، يضطر ذوو الضحايا إلى إرسال العينات بجهود ذاتية دون التمكن من الالتزام بالتعليمات الطبية، وهو ما يتسبب بفساد العينات في أغلب الحالات.
وتمثّل عملية إعادة جثث المهاجرين الغرقى إلى قطاع غزة لدفنها أهمية كبيرة لذوي الضحايا لعدة اعتبارات، إلا أنّها تُعد مكلفة ماليًا وتحتاج إلى الكثير من الإجراءات، ولوحظ أنّ أهالي الضحايا يضطرون للجوء لعدة أشكال من الضغط من أجل تحرك الجهات الرسمية للتكفل بعملية إعادة جثث أبنائهم.
وقال "أنس جرجاوي"، مدير العمليات في المرصد الأورومتوسطي: "الأصعب من وصول معلومات لذوي الضحايا بوفاة أبنائهم في طريق الهجرة هو ألا يعرفوا شيئًا عن مصيرهم؛ ما إذا كانوا نجوا أو توفوا، أو أن يتم استغلال معاناتهم وإعطائهم آمالًا كاذبة أو معلومات غير دقيقة بهدف ابتزازهم ماليًّا"
وأضاف "جرجاوي" أن الحصار المطبق على قطاع غزة منذ نحو 17 عامًا كان السبب الرئيس والدافع الأول للغالبية العظمى من حالات الهجرة وطلب اللجوء التي تم توثيقها، حيث يحاول الشباب البحث عن حياة كريمة وآمنة خارج القطاع المحاصر بشتى الطرق.
وخلص التقرير إلى أن الحد من المعاناة المركّبة لذوي المفقودين ومعالجة حوادث الغرق تبدأ من معالجة المشكلة الأساسية لتلك الأزمة، من خلال إنهاء "إسرائيل" حصارها للقطاع والسماح للفلسطينيين بممارسة حقوقهم كافة، وإنهاء جميع الإجراءات والسياسات التي تقيّد أو تحد من قدرتهم على التمتع بجميع أشكال سبل كسب العيش، والاستقرار الأمني والاقتصادي، والسماح بإدخال جميع الأجهزة ذات العلاقة بعمليات التشريح وتحليل الحمض النووي.
وطالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان "السلطة الفلسطينية والحكومة التي تديرها حركة حماس في قطاع غزة باتخاذ جميع التدابير الممكنة لتخفيف الأعباء الاجتماعية والاقتصادية على عائلات المفقودين من المهاجرين وطالبي اللجوء، وتسهيل وتوحيد جميع الإجراءات القضائية المتعلقة بالمفقودين والضحايا وذويهم".
وأوصى الأورومتوسطي بإطلاق برامج دعم نفسي مخصصة لعائلات الضحايا من المهاجرين بهدف معالجة الآثار النفسية الوخيمة الناجمة عن فقد أبنائهم، كما دعا إلى اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية عائلات الضحايا من المهاجرين من جميع أشكال الابتزاز، واضطلاع السلطات المعنية بواجباتها في تتبع جهات الابتزاز وتحديد ومحاسبة المسؤولين عن تلك العمليات.
أ ج