لم يتوان الاحتلال وأذرعه العسكرية والمستوطنين عن ملاحقة واستهداف العديد من الشخصيات المؤثرة في الشارع الفلسطيني، باستخدام أساليب متعددة لقمعهم وإسكاتهم ومنع تواصلهم مع المجتمع الفلسطيني وخاصة المقدسي، حتى وصل بهم الأمر إلى التحريض عليهم في وسائل الإعلام العبري.
وخاضت مخابرات الاحتلال الإسرائيلي أساليب كثيرة لقمع الناشطين الفلسطينيين والشخصيات الدينية والوطنية الفاعلة، تمثلت بالاعتقال والإبعاد والاعتداء واقتحام المنازل والمنع من السفر والوصول إلى المسجد الأقصى، ولم يعد أمامها إلا استخدام أساليب جديدة تزيد من معاناتهم.
وآخر هذه الأساليب التعاون الواضح والوثيق بين مخابرات الاحتلال والمستوطنين عبر الإعلام العبري، إذ نشر صحفيون متطرفون من مستوطنة " يتسهار" جنوبي مدينة نابلس، في صحيفة "اليوم السابع" التابعة لمجموعات يهودية متطرفة معلومات مخابراتية للتحريض على شخصيات فلسطينية.
والمعلومات التي نشرت في التقرير الصحفي مرفقة بصور الشخصيات وردت في لوائح اتهام ومحاضر تحقيق لهم، تم تسريبها لهم من أجل توظيفها للتحريض عليهم، وتعريض حياتهم للخطر، أو تعريضهم للمساءلة القانونية وغيرها.
وتناول التقرير أسماء نشطاء ومرجعيات دينية ووطنية من القدس والداخل الفلسطيني المحتل، من بينهم الشيوخ عكرمة صبري ورائد صلاح وكمال الخطيب ومفتي القدس الشيخ محمد حسين، ومحافظ القدس عدنان غيث ومدير نادي الأسير بالقدس ناصر قوس، والمطران عطالله حنا، عدا عن مرابطين وناشطين آخرين.
رسالة خطيرة
ومن بين الشخصيات التي استهدفها التقرير نائب مدير عام دائرة الأوقاف الشيخ ناجح بكيرات.
ويقول بكيرات لوكالة "صفا" عن التحريض "علينا أن ندرك أن الاحتلال يشن حربا ممنهجة على القدس والمقدسيين، كما يشنها على الوجود الحضاري المتمثل في المسجد الأقصى والحجر، وحماة المحاريب والبشر".
ويؤكد أن هذا التحريض يأتي في سياق إسكات وتكميم الأفواه والتخويف، وإرضاء اليمين والجمهور اليميني المتطرف، حيث أن المجتمع الاسرائيلي يتجه نحو التطرف، وهو الذي أفرز هذه الحكومة لذلك يريد إرسال رسالة بأننا لسنا غافلين، وهي عملية إرضاء لهؤلاء الذين انتخبوا هذه الحكومة.
ويرى أن "التحريض يهدف إلى وضع العرب أمام الحصان، بمعنى أنكم سيأتيكم يومًا لن تستطيعوا أن تتكلموا أو تتحركوا، وهي إشارة من أجل جعل هؤلاء وغيرهم عظة"، بمعنى أن قيام دولة الاحتلال بالتنكيل بهؤلاء من أجل إسكات البقية.
ويلفت إلى أنها رسالة إلى مجتمعنا من خلال استهداف القيادات والمرجعيات والنشطاء، وهي رسالة سياسية أمنية خطيرة تهدف إلى تخويف المجتمع المقدسي من أن يدافع عن حقه.
ويضيف بكيرات "يبدو أن هؤلاء أزعجوا الاحتلال حينما فضحوا سياساته، وهي ليست المرة الأولى ولا الأخيرة، أذكر مرة وضعوا بوسترا ضخمًا باسمي يحمل صورة ضخمة في صحيفة معاريف، بعدها تم التنكيل فينا".
ويشير إلى أن "الهدف من التحريض التعريف بهذه الشخصيات، وكأنه لا يوجد غيرها في المدينة، من أجل الاعتقال والتنكيل والتضييق، والتمهيد من أجل الصاق تهم تحريض وغير تحريض".
وينوه بكيرات إلى أن الشخصيات التي ذكرت بالتقرير جزء لا يتجزأ من المجتمع الفلسطيني، وتحمل الرواية الفلسطينية الاسلامية العربية، بالتالي كل ما فعله التحريض لن يأتي بأي شيء جديد، سوى الثبات والعناد، وأننا سنكون عند حسن ظن أهلنا في بيت المقدس.
ويؤكد أن الوعي لدى الشعب الفلسطيني وخاصة المقدسي، سيحول دون التفرد بهذه الشخصيات، حتى لو تم اسكاتها ستظهر مجموعات أخرى أكثر صلابة وقوة.
ويشدد الشيخ بكيرات على أننا "جزء من المجتمع المقدسي، والمجتمع فيه عشرات ومئات وربما ألوف أمثالنا، لكن قبلنا عشرات تصدروا الموقف، ونحن جئنا وسيأتي بعدنا، نحن حلقة من حلقات الوجود المقدسي الذي يدافع عن حقه، والذي لن يتنازل ولن ترهبه مثل هذه التحريضات".
ويحمل سلطات الاحتلال مسؤولية أي مساس بهذه الشخصيات، قائلا "وراء هذه الشخصيات مجتمع وأمة، وبالتالي لا يمكن للحكومة الاسرائيلية بزعامة نتنياهو أن تنفرد بنا، وأي مساس بهذه الشخصيات هو مساس بالوطن والفلسطينيين والمقدسيين خاصة".
ويطالب كافة منظمات حقوق الانسان أن تأخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار، وتجريم هذه الصحيفة التي كتبت عن هذه الشخصيات وحرضت عليها.
ويضيف "هذه الصحيفة لم تستشرنا في الكتابة عنا، بالتالي أرى أن تقوم الشخصيات برفع قضية على هذه الصحيفة، لأنها كتبت عنا دون أن ترجع لنا أو تستشيرنا ونشرت مغالطات غير صحيحة، وخلطت الحابل بالنابل".
خلط الأوراق
أما رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر عيسى هدمي أحد المستهدفين بهذا التقرير فيقول "أسلوب التحريض وكيل الاتهامات لناشطين مقدسيين بالذات، هو أسلوب قديم حديث تستخدمه سلطات الاحتلال بهدف الإرهاب وخلط الأوراق وخلق جو من التوتر يعيش فيه هؤلاء الناشطين".
ويلفت، في تصريح لوكالة "صفا"، إلى أنه نشرت في الفترة الأخيرة مقالات في الصحف تحدثت عن الشيخ عكرمة صبري، وحاليا تقرير آخر تحدث عن شخصيات مقدسية، ويوجه اتهامات ضدهم وأعمال قاموا بها عارية عن الصحة.
ويصف الهدمي هذا التحريض بالانتهاك الواضح لحرية كل شخص وخصوصيته، وتوجيهه للمجتمع الصهيوني حتى يؤذي هذه الشخصيات.
ويضيف "نحن نطالب سلطات الاحتلال أن تكف عن هذا الأسلوب الرخيص، وأن ترفع يدها عن الناشطين المقدسيين، وأن تبتعد عن أسلوب الارهاب، طبعا هذه حكومة احتلال ولا يتوقع منها أي خير، وهذا الواقع الذي نعيشه في هذه الفترة".
أعمال إرهابية ضد القيادات
كما يؤكد المحامي خالد زبارقة أن هذا التحريض يستهدف الحالة العامة والمسجد الأقصى المبارك بشكل خاص، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على وجود مخطط لاستهداف المسجد الأقصى والقدس في الأيام المقبلة، ويريدون تحييد تأثير هذه الشخصيات في الحالة العامة.
ويحذر زبارقة، في حديث لوكالة "صفا"، بقوله: "هم بدأوا مرحلة التحريض بداية مبكرة من أجل ضمان اسكاتهم، لما يمكن أن يحصل في الأيام القادمة، وهذا أيضا مخيف لأنه على ما يبدو هناك مخطط بدأ حيز التنفيذ هذه الأيام".
وينبه إلى أن "هذا التحريض الأرعن يضع هذه الشخصيات تحت المجهر والضوء خاصة ضوء الجماعات اليهودية المتطرفة الارهابية، التي لا تأل جهدا في القيام بأعمال ارهابية ضد الفلسطينيين، لذلك أعتقد أنه مؤشر آخر على إمكانية المساس بهذه الشخصيات في المستقبل، وخاصة من طرف هذه المجموعات".
وينوه إلى أن هذه المجموعات تؤمن بأيدلوجية مسممة وعنصرية، خاصة فيما يخص العرب والفلسطينيين في هذه البلاد، من خلال متابعتنا لخطاباتهم وأيدلوجيتهم، وقال" نحن نرى أنهم ينظرون للعرب نظرة عدائية واضحة وكراهية، وهم يبررون استعمال العنف ضد العرب من هذا المنطلق".
وعن الجانب القانوني، يقول زبارقة "واضح أن هناك مخالفة تحريض واضحة تقوم فيها المجموعات اليهودية المتطرفة، ضد الشخصيات السياسية والوطنية والمجتمعية في القدس والداخل".
وتساءل هل ستقوم الدولة بأجهزتها على إنفاذ القانون بملاحقة هؤلاء المحرضين؟،أم ستستعمل هذا التحريض من أجل ملاحقة هؤلاء الشخصيات وليس حمايتهم.
ويرى زبارقة في هذه الأيام تضافر جهود وتنسيق كامل بين الجماعات اليهودية المتطرفة وبين الأجهزة المسؤولة عن إنفاذ القانون في اسرائيل، خاصة عندما نتحدث عن المخابرات والشرطة والنيابة وجهاز المحاكم الاسرائيلية.
ويؤكد أن هذا التنسيق يعرض الشخصيات إلى ملاحقة قانونية بسبب الضغوط التي تمارس على أجهزة الدولة من طرف الجماعات اليهودية الارهابية.