في خيمةٍ موحشة، تتوسط شارع البازار في منطقة جنديرس شمالي حلب، يجلس اللاجئ الفلسطيني حسن البيطار، وطفليه، قصي (5 أعوام)، وسارة (3 أعوام)، الناجييّن من الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة في السادس من شباط/ فبراير الجاري، في وضع إنساني صعب للغاية.
ويعيشُ البيطار، النازح من مخيم اليرموك إلى الشمال السوري عام 2018، وسط الشارع دون زوجته وطفلته الرضيعة سلام ( عام واحد) و14 فردًا من عائلة زوجته وأنسابه، الذين انهالت عليهم بنايتهم السكنية المكونة من 4 طوابق، بفعل الزلزال.
وفي تفاصيل الحادثة، يقول البيطار لوكالة "صفا"، فجر يوم السادس من فبراير/ شباط، شعرنا بهزة أرضية قوية ونحن نيام؛ فهربنا نحو جدارٍ مسلح في المنزل واختبأنا بجانبه، وما هي إلا لحظات حتى انهارت البناية علينا، حينها علت أصوات أطفالي بالبكاء، باستثناء زوجتي، فلم أسمع لها صوتًا، لأن حجرًا كبيرًا سقط على رأسها.
ويضيف "فجأة مرت سيارة بالمكان، فتسلل ضوؤها من فتحةٍ بالمبنى المنهار علينا، فحاولت الوصول إليها وتوسيع الفتحة وإزاحة أسياخ الحديد حتى نخرج، فخرجت أنا وقصي وسارة، ثم عدت لزوجتي، فوجدتها فارقت الحياة مع طفلتي الصغيرة.
ويعيش اللاجئ الفلسطيني اليوم في خيمة بوضع إنساني صعب للغاية، بعد أن خسر زوجته وابنته وبيته، دون التفات من المنظمات الدولية المعنية.
ويؤكد أن ما يُقدَّم لهم غير كافٍ بالمقارنة مع حجم الخسائر، ولاسيما مع عدم توفر أدوية لطفليه اللذين مرضا قبل أيام، مطالبًا بتوفير أساسيات الحياة الكريمة.
ولا يُطالب البيطار بالكثير، بل ببيتٍ يأوي عائلته، أو حتى غرفة، مبينًا أنّ الوضع سيءٌ جدًا، إذ لا يمكنهم تأمين متطلبات حياتهم.
ويشير إلى تضرر القطاعات الخدمية والسكنية والغذائية كافة في جنديرس جراء الزلزال، موضحًا أنّ غالبية السكان أصبحوا في خيامٍ وسط الطريق.
تهميش ومعاناة
مدير الإعلام في "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا" فايز أبو عيد، يوضح أنّ الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا يوم 6 شباط/ فبراير من الشهر الجاري، ضاعف من معاناة اللاجئين الفلسطينيين في مناطق الشمال السوري.
ويبين، في حديث خاص لوكالة "صفا"، أنّ اللاجئين في الشمال السوري يعانون من ويلات الأوضاع المعيشية المزرية، والتهميش المتعمد.
ويؤكد أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ما زالت تستثنيهم من المساعدات المادية والعينية؛ بدعوى أنهم في مناطق غير آمنة.
وكانت العائلات الفلسطينية المهجرة إلى الشمال السوري وجهت في وقتٍ سابق من الشهر الجاري، انتقاداتٍ حادة لـ"أونروا"، بسبب استثنائهم من النداء الطارئ الخاص بمتضرري الزلزال، وتنصلها من مسؤوليتها تجاههم منذ تهجيرهم قسرًا باتجاه المناطق الشمالية بين عامي 2016 و2018.
ويقول أبو عيد: "على الرغم من المساعدات الإغاثية التي وصلت إلى تركيا والشمال السوري، إلا أن تلك المعونات غير كافية، بالنظر إلى حجم المأساة، لسد احتياجات المتضررين من الزلزال".
ويضيف "هناك أسر ما زالت بلا مأوى وبحاجة للطعام والأغطية الشتوية، والتدفئة في ظل الأجواء الباردة".
ويطالب المدير الإعلامي في المجموعة "أونروا" والسلطة الفلسطينية بضرورة إيصال المساعدات الإغاثية بشكل فوري إلى العائلات الفلسطينية المهجرة إلى الشمال السوري.
ويدعو السلطة إلى "عدم التذرع بحجج واهية يندى لها الجبين، والتخلي عن أي حسابات ومصالح سياسية والتعامل مع هؤلاء المهجرين المنكوبين من مبدأ إنساني، وأنهم أبناء شعبهم الذين يجب عدم التخلي عنهم".
احتياجات أولية
وحول الاحتياجات الأولية للاجئين في شمال غربي سوريا، يوضح فريق "منسقو استجابة سوريا" أن الأهالي بحاجة ماسة إلى الدعم العاجل بالمستهلكات الطبية، واللوازم الجراحية ومواد التعقيم، ومستلزمات غسيل الكلى.
ويشدد الفريق، خلال بيانات وصلت وكالة "صفا"، على ضرورة التأمين الأولي لمعدات المخيمات (الخيم أو وحدات سكنية دائمة أو مؤقتة)، موضحًا حاجة النازحين إلى مواد التدفئة والمستهلكات، والمياه النظيفة والمعقمة.
ويبدي الفريق تخوفه من انتشار الأمراض والأوبئة نتيجة العديد من العوامل أبرزها، الكوليرا، والأمراض الجلدية وأمراض أخرى مزمنة، عدا عن تلوث المياه الصالحة للشرب من الآبار وغيرها، نتيجة التحركات الأرضية في مناطق الزلزال، محذرًا من خطر انهيار الأبنية الآيلة للسقوط.
ويطالب الفريق الجهات المحلية والمنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة، بالعمل على تأمين الخيام بشكل أكبر في المنطقة؛ كحلول مؤقتة لإيواء المتضررين ، والعمل على نشر خيام كبيرة الحجم بالقرب من الأبنية السليمة لإيواء الأهالي عند حدوث الهزات الأرضية.
ويدعو الجهات المحلية للعمل على منع استغلال المدنيين؛ إذ لوحظ زيادة كبيرة في أسعار الخيام التي يتم تجهيزها من بعض الأشخاص، إضافة إلى ضرورة ضبط الإيجارات التي تشهد زيادة باهظة تفوق قدرة المدنيين المالية في ظل الأوضاع الحالية.
ويتواجد في الشمال السوري نحو 1700 عائلة فلسطينية، تقيم في ثلاث مناطق رئيسية، هي إدلب وريفها، وعفرين (غصن الزيتون)، وريف حلب الشمالي (درع الفرات).
وتضم مدينة إدلب، العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعانون من أوضاع إنسانية مأساوية، ويفتقرون لأدنى مقومات الحياة الكريمة، وفقًا لمجموعة العمل
وتقدر "أونروا" أن نحو 90% من هذه العائلات بحاجة للمساعدة، بفعل الزلزال.