يعيش نحو 20 ألف لاجئ فلسطيني في مخيم برج الشمالي شرقي مدينة صور جنوب لبنان أوضاعًا اقتصادية ومعيشية صعبة، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد، إلى جانب تفشي البطالة بشكلٍ كبير بين أوساط اللاجئين، ومما فاقم من وضعهم؛ التراجع الواضح للخدمات العامة المقدمة من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" وفقًا لشهادات لاجئين استمعت إليها وكالة "صفا".
ويصنف المخيم ضمن أفقر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ومعظم سكانه هم من ذوي الدخل المحدود، ويعمل الرجال كعمال موسميين في الزراعة وأعمال الإنشاءات والأعمال اليدوية، إضافةً إلى ذلك فإن البنية التحتية للمخيم تالفة، وفقًا لـ"أونروا".
ولليوم السادس على التوالي، تواصل عدة عائلات الاعتصام داخل مكتب "أونروا" في المخيم، لإجبارها على إطلاق نداء طوارئ إغاثي للناس في ظلِّ الظروف المعيشية الصعبة، وفتح ملف العسر الشديد "الشؤون" أمام المزيد من العائلات، وتحسين الخدمات المقدمة لها.
جملة من المشاكل
الناشط الاجتماعي ورئيس جمعية الحولة، محمود جمعة، من مخيم برج الشمالي، يوضح أنّ "أونروا" لم تتعاطى مع اللاجئين في المخيم بناءً على التغييرات الاقتصادية وجملة المشاكل الاجتماعية التي يمرون بها، خاصةً مع انهيار العملة اللبنانية، والانتشار الواسع للبطالة، ومشاكل الطبابة في المستشفيات، والإغاثة، ومشاكل ترميم المنازل.
ويؤكد جمعة في حديث خاص لوكالة "صفا" على ضرورة أن تضطلع "أونروا" بمسؤولياتها بناءً على التغييرات الحاصلة في البلد، إلى جانب إعادة النظر ببرامجها وخدماتها، والتوقف عن التذرع بالأزمة الاقتصادية.
ويلفت إلى أن هذه الأزمة تكون كل عام بنفس الرقم المالي، فكل عام يكون العجز المالي 100 مليون دولار.
ويتساءل جمعة "هل يعقل أن يبقى العجز المالي كل عام بنفس الرقم، بلا نقصان أو حتى زيادة، مؤكدًا أنّ هذه الذريعة موجودة دائمًا لدى "أونروا".
احتجاجات شعبية
ويذكر جمعة أنه وعلى مدار أكثر من عامين شكل المخيم حملة احتجاجات شعبية وأهلية حضارية منظمة دون الإساءة إلى أحد، من أجل المطالبة بجملة من الحقوق والخدمات الأساسية المطلوبة من "أونروا"، إلا أنّها لم تسمع لمطالب اللاجئين وصرخاتهم.
ويضيف "بدأت الحملة من المخيم إلى مكتب منطقة مدينة صور، وحتى مكتب العاصمة بيروت للمطالبة بالخدمات التي يحتاجها أهالي المخيم، في مجالات الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية".
ويشير الناشط الاجتماعي إلى أزمة التعليم، وتدني مستوى الطلبة التعليمي في المخيم، موضحًا أنّ نسبة النجاح لا تتعدى 10% عند الطلاب بالشهادة المتوسطة، مؤكدًا وجود كارثة حقيقة بالتعليم.
ويلفت إلى أنّ مخيم برج الشمالي هو المخيم الوحيد بدون ثانوية عامة، ما يضطر الطلبة الذين يقارب عددهم 300 طالب لدفع بدل مواصلات يوميًا؛ من أجل الذهاب إلى مدارس مخيم الرشيدية أو البص.
وينبه إلى أنه وفي ظل هذه الكارثة التعليمية، لا توجد مراجعة من أي جهة رسمية كإدارة التربية والتعليم.
أزمة صحة وبطالة
وفيما يتعلق بالطبابة والاستشفاء، يقول جمعة: "كانت أونروا تدفع سابقًا قيمة تحويل العلاج بالدولار على قيمة ١٥٠٠ ليرة للدولار الواحد، ومع بداية هذا العام بدأ يُحتسب على أساس ٣١٠٠٠ ليرة للدولار، وهو ما أحدث فرقًا واسعًا بالخدمة، وشكّل أزمة حقيقة بين المريض وإمكانية تلقي العلاج وشراء الأدوية".
ويؤكد وجود تعقيد كبير فيما يخص الطبابة، مشيرًا إلى أنهم ناقشوا هذا الموضوع مع مسؤول قسم الصحة في لبنان، ولم يحدث إعادة نظر في الملف، بناءً على المتغيرات الاقتصادية.
وتحدث الناشط الاجتماعي عن وجود أزمة بطالة، وتعامل بطريقة سيئة جدًا مع الناس الفقراء بالمخيم، مشيرًا إلى أحد المشاريع التي نفذتها جمعية ألمانية بالمخيم بالتنسيق مع "أونروا" لتشغيل عدد من الأهالي، حيث كان يتلقى العامل باليوم الواحد 40 دولارًا، ثم أصبح 20 دولارًا.
ويقول: "هذه هي المخاطر المستقبلية لدور أونروا؛ وتحولها من منظمة دولية ملزمة بقضية اللاجئين الفلسطينيين إلى منظمة على طريقة المنظمات الأهلية".
غياب العدالة
وحول موضوع الشؤون، يوضح جمعة أنه وفي ظل الأزمة الاقتصادية، وأزمة كورونا، وانهيار قيمة العملة اللبنانية، تدهورت أوضاع الكثير من اللاجئين.
ويضيف "طالبنا قسم الشؤون الاجتماعية بأونروا، بضرورة وجود مواكبة بحثية حقيقية، يتم من خلالها دراسة الحالات الاجتماعية التي تتلقى مساعدات إغاثية؛ رغم قيمتها المتدنية جدًا، ورغم ذلك لم يتم إجراء دراسة علمية على ضوء المتغيرات".
ويشير إلى أنّ صرخة الأهالي اليوم، جاءت رفضًا للمعايير المزدوجة من قبل أونروا، وغياب العدالة في قضية الشؤون الاجتماعية.
ويتابع "قسم الشؤون الاجتماعية، هو قسم غير أكاديمي، ويوجد به قطاع كبير من الموظفين، لماذا لا يتم عمل مسوحات بحثية دقيقة تعيد النظر بالخدمات، فهناك عائلات طرأ على وضعها تحسن، وهناك من تراجع وضعهم اقتصاديًا".
ويؤكد أنّ الأهالي في المخيم يوجهون صرخة محقة، لكن دون مجيب لصرخاتهم، لا من قسم الصحة أو التعليم ولا حتى الشؤون الاجتماعية، وهو ما دفع الكثير منهم للتظاهر بشكل فردي أحيانًا للمطالبة بحقوقهم.