بوساطة أمريكية، توصلت السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال الإسرائيلي لما يسمى بـ"صفقة سياسية" تهدف لخفض التصعيد في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، حققت من خلالها "إسرائيل" مكاسب أمنية وسياسية هامة مقابل مكاسب اقتصادية للسلطة.
وتنص التفاهمات بين حكومة الاحتلال والسلطة الفلسطينية على امتناع السلطة عن التوجه لمجلس الأمن لإدانة الاستيطان مقابل "تسهيلات" إسرائيلية.
ومن بين التسهيلات تخفيض الضريبة على الوقود للضفة الغربية بنسبة 50%، ومنح السلطة نصف عائدات رسوم معبر الكرامة، وتسهيلات جمركية، وعقد لقاءات دورية مع مسئوليها فيما يتعلق بالأوضاع في المسجد الأقصى، والقيام بخطوات لتخفيف التوتر.
ومقابل امتناع السلطة عن التوجه لمجلس الأمن، ستمتنع "إسرائيل" مؤقتًا عن المصادقة على شرعنة المزيد من البؤر الاستيطانية عدا البؤر التسع التي جرى شرعنتها مؤخرًا.
وتشمل التفاهمات أيضًا موافقة فلسطينية على البدء بالحديث عن استعادة التنسيق الأمني مع الكيان والذي أعلنت السلطة تجميده قبل أسابيع.
ويرى مختصون وقيادات وطنية أن ما أتت به هذه الصفقة يحقق لـ"إسرائيل" مكاسب كبيرة، في حين أن ما حققه الفلسطينيون مجرد سراب.
ويعتبر محمد دويكات عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، هذه الصفقة "طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني ومقاومته".
ويقول لوكالة "صفا": "ننظر بعين الخطورة لهذه الصفقة لأن شعبنا جرب مثل هذه الصفقات كثيرًا، والخاسر الوحيد منها في كل مرة هو شعبنا".
ويؤكد أن هذه الصفقة تضعف المقاومة الناهضة في الميدان وهي محاولة لإجهاض المقاومة والنهوض الجماهيري الواسع في الأرض الفلسطينية.
ويبين أن المكاسب التي ستحصل عليها السلطة من هذه الصفقة هي وعودات واهية، ولا تساوي شيئا أمام تضحيات الشعب الفلسطيني التي يقدمها كل يوم، والرابح الوحيد هو الاحتلال وحكومة اليمين الفاشية.
ويلفت إلى أن موافقة السلطة على سحب مشروع القرار يأتي في إطار المساومة على دماء الشهداء وعذابات الأسرى والنهوض بالحالة الوطنية والشعبية والجماهيرية، وإدارة الظهر لكل التوافقات الوطنية والاستخفاف بها.
ويقلل من أهمية الامتناع عن طرح عطاءات لوحدات استيطانية جديدة لعدة أشهر، قائلاً إن "المطلوب ليس تجميد بل وقف الاستيطان وتفكيك المستوطنات".
ويطالب السلطة بالالتزام بكل القرارات السابقة التي أجمعت عليها كل القوى بضرورة التحلل من كل الاتفاقات مع الاحتلال، وأن يكون وقف التنسيق الأمني خطوة استراتيجية وليست تكتيكية لتحسين شروط التفاوض.
تفاهمات خطيرة
ويعدّ المحلل السياسي سامر عنبتاوي هذه التفاهمات خطيرة جدا، خاصة وأنها ليست المرة الأولى التي ترضخ فيها السلطة للضغوطات وتذهب للتسويات.
ويقول لوكالة "صفا" إنه "في ظل ما تقوم به إسرائيل من قمع للأسرى وسلب إنجازاتهم واغتيالات واجتياحات وهدم للبيوت كان هناك ضغط شعبي لوقف التنسيق الأمني ومحاكمة الاحتلال في محكمة الجنايات الدولية، وبعد كل ذلك تعود السلطة للتسويات وتخدع مرة أخرى".
ويضيف "للأسف كلما قلنا إن علينا كفلسطينيين أن نعيد التموضع من خلال وحدتنا وعلى برنامج وطني واحد وموحد، تذهب السلطة للمساومات والاتفاقات الجانبية".
ويعتبر وعود "إسرائيل" بتجميد الاستيطان وعودات واهية، فهي لم تجمد الاستيطان يوما واحدا، وهي التي اتخذت قبل أيام قرارا بشرعنة البؤر الاستيطانية وتذهب بعيدا بالبناء الاستيطاني.
ويرى أن السلطة لم تحقق أي مكاسب من هذه التفاهمات سوى بعض الوعودات، وما يتم الحديث عنه من مكاسب لا تستحق هذا التنازل، مضيفا: "خسرنا الجولة مرة أخرى كما خسرنا جولات سابقة".
ويبين أن ما ستقدمه "إسرائيل" للسلطة من عوائد مالية من الممرات والمعابر هي بالأساس أموال فلسطينية، ولكن السلطة رضخت للابتزاز والاغراءات المالية.
ورغم ترجيحه بأن مشروع القرار كان سيواجه بالفيتو الأمريكي في مجلس الأمن، يؤكد عنبتاوي أن مجرد طرح المشروع للتصويت يكشف للعالم بشكل واضح ما تقوم به إسرائيل من استيطان وتغول.
كما أن ذلك كان سيضع الولايات المتحدة بموقف محرج أمام أحد خيارين، فإما أن تستخدم الفيتو وتحرج نفسها لموقفها المتناقض خاصة بعد إعلان رفضها للمشاريع الاستيطانية، أن تمتنع عن التصويت وبالتالي يمر القرار من مجلس الأمن.
كما يمكن الذهاب للعالم بالتعاون مع الدول والمنظمات الصديقة لطلب فرض عقوبات على إسرائيل.
ويقول: "للأسف خسرنا جولة كان يمكن أن تحرج الولايات المتحدة وأن تضغط على الاحتلال".
ويشدد على أنه بدون وحدة وطنية وبرنامج وطني موحد وإنهاء الانقسام والعودة لمربع مواجهة الاحتلال سنبقى نخسر على الصعيد السياسي والداخلي.