كان الألم يساور الشاب العشريني عز الدين صلاحات في كل مرة يشاهد فيها قوات الاحتلال تقتحم مخيمه أمام ناظريه دون أن يستطيع فعل أي شيء، حتى قرر أن يبذل كل طاقته لشراء بندقية يحقق فيها أمنيته بالنصر أو الشهادة.
وصلاحات كان يعمل في جهاز الشرطة الفلسطينية، واستشهد في المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في مخيم جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة في 26 يناير/ كانون الثاني المنصرم واستشهد فيها 10 مواطنين.
وسمي صلاحات تيمنًا بالاستشهادي عز الدين المصري الذي نفذ عملية استشهادية قبل نحو 21 عاما، بحسب ما تؤكده والدته.
ونفذ عز الدين المصري من كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس عملية استشهادية في مطعم سبارو بمدينة القدس المحتلة في 9 أغسطس/ آب 2001 موقعا 20 قتيلا إسرائيليًا وأكثر من 100 جريح
حب المقاومة
تقول أم إياد صلاحات والدة الشهيد لوكالة "صفا": "ولد عز الدين وتربى على حب الجهاد والاستشهاد وقد سميناه على اسم الاستشهادي عز الدين المصري وحمل اسمه وسار على درب الشهداء حتى استشهد".
وتضيف صلاحات: "عاش ابني عز الدين حياته كأي شاب في مخيم جنين ملتزم بأخلاقه وحبه للوطن والدفاع عنه وسار على درب الشهداء حتى استشهد في بيت عزيز عليه من بعد عائلته".
وتشير إلى أن أكثر ما كان يضايق عز الدين أنه لم يكن يحمل سلاحا حين بدأ شباب المخيم يقاومون الاحتلال داخل أزقة المخيم.
وتوضح أم إياد أن نجلها انتسب لجامعة الاستقلال وبعدها تخرج ليعمل في جهاز الشرطة ولم يكن يرغب في تلك الوظيفة أو هذا المسار ولكنه اختار ذلك طوعا لإرضاء والديه.
وتؤكد أن "عز الدين كان لا يرفض طلبا لي ولوالده حيث لبى طلبي عندما كنت أحدث والده عن انتسابه لأي جهاز يؤمن حياته ووظيفته".
وتبين صلاحات أن "عز الدين كان متأثرا بأنه لا يمتلك سلاحا يدافع فيه عن المخيم ويقاوم الاحتلال، وعندما يرى رجال المقاومة في مخيم جنين ويشاهد جنازات شهداء يبكي لأنه ليس واحدا منهم".
مهر السلاح
وتتابع: "ثم ادخر كل شيء من أجل شراء سلاح.. راتبه وكل ما يملك ادخره من عرق جبينه حتى وفّر ثمن بارودته الذي كان يعمل من أجل شرائها".
ثم تروي: "عندما اشترى عز الدين البارودة وجاء بها إلى البيت حكالي يما جبتلك العروس عملنا حفلة بالبيت حينها ومع مرور الأيام كنت أنام بجانب البارودة بعدما أخبرني أنها العروس".
وتذكر والدة الشهيد، "كلما كان يخرج ببارودته يعود بها إلى البيت لتنظيفها ومع مرور الأيام تعلمت على تنظيفها وتعبئة مخزن الرصاص".
وتمضى قائلة: "يوم استشهاده كنت انتظر عودته للبيت في الوقت المعتاد وهو خروج الطلبة للمدارس وعندها دخلت للنوم ولم أستطع ذلك حينها علمت أن الاحتلال دخل المخيم".
وارتدت أم إياد ملابس الصلاة وتوجهت مسرعة للمستشفى بعد شعور راودها أن عز الدين قد استشهد دون أن تسمع أي خبر سوى أن الاحتلال اقتحم المخيم، بحسب ما تقول.
ولدى وصولها للمستشفى سألت صلاحات الأطباء عن وصول جرحى أو شهداء للمستشفى لكنهم نفوا ذلك إذ كان الاقتحام في بدايته وبعد وقت قليل علمت عن استشهاد عز الدين على مواقع التواصل الاجتماعي فحمدت الله وانتظرت وصول جثمانه لعدة ساعات بعد انسحاب الاحتلال.
لحظة الشهادة
وعن لحظة استشهاد عز الدين تقول أم العبد خريوش: "سمعنا صوت إطلاق رصاص بجانب البيت، ثم سمعت بعد لحظات ابني عبد المتطوع في الإسعاف يشير لوجود إصابة وأنه سينزل لسحبها مهما كلفنا الأمر وبعد سحبها لداخل المنزل صعد إلينا مسرعا وأخبرنا أن المصاب عز الدين صلاحات".
وتروي خريوش: "نزلت إليه مستعجلا حاولنا وقف النزيف لكن دون جدوى كان يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن كان مصابا بعدة رصاصات في أنحاء جسده فجلبت حراما وغطيت جسده ولففت رأس بالكوفية".
وتضيف، "كنت أحدثه وأنا ألف رأسه بالكوفية وغنيت له مع السلامة يا مسك فايح وزفيته شهيدا حيث كان من المقرر أن يكون حمام عرسه في بيتنا، لكن شاءت الأقدار أن نزفه شهيدا".
وتشير خريوش إلى أن عز الدين وابنها جمال كانوا كالأخوة منذ الصغر بدءا من الروضة والمدرسة إلى أن كبروا معا كانا لا يفارقان بعضهما بعضا ويشترون ملابسهما مع بعضهما وغالبية وقتهما يقضونه معا.
وعندما علم جمال باستشهاد صديقه عمره عز الدين أثناء وجوده في العمرة اتصل بوالدته قائلا لها: لا تمسحوا الدم أريد أن أرى أين استشهد.
ثم مسحت أم إياد الدم بقطعة قماش حتى يعود جمال لتبقى له ذكرى خالدة له مع 12 شيكلا و7 رصاصات وجدت مع الشهيد عز الدين وهي ما تبقى من ذخيرته.