قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه وثّق ارتفاعًا حادًا في عمليات القتل التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة خلال عام 2022، مشدّدًا على ضرورة تفعيل جميع أشكال المحاسبة وإنهاء حالة الإفلات من العقاب التي تتمتع بها "إسرائيل" منذ عقود.
وذكر المرصد في تقرير أصدره الإثنين بعنوان "الضغط على الزناد خيارٌ أول" إنّ أعداد الشهداء الفلسطينيين في الضفة الغربية سجّلت في عام 2022 ارتفاعًا بنسبة 82% مقارنة بعام 2021، وارتفاعًا بنحو خمسة أضعاف (491%) مقارنة بعام 2020.
وبيّن أنّ تحليل المعطيات الميدانية أظهر أنّ معظم القتلى الفلسطينيين كانوا من المدنيين، إذ قتلهم الجيش الإسرائيلي في عمليات وسياقات لا مبرر لها، ولم يكن يشكّل وجودهم خطرًا أو تهديدًا محدقًا على حياة الجنود أو المستوطنين الإسرائيليين.
واستند التقرير على مسح شامل لحالات القتل خلال عام 2022، وتوثيق ميداني للأحداث، ومقابلات أجراها فريق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان مع ذوي وأصدقاء الضحايا وشهود عيان على حوادث القتل الموثّقة في التقرير.
وقال رئيس المرصد رامي عبده: "عمليات القتل والإعدام الميداني التي ينفذها الجيش الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين سياسة دولة وليست تصرفات فردية، ويتضح ذلك من خلال تعليمات فتح النار المتساهلة، إلى جانب منظومة الحماية التي توفرها السلطات الإسرائيلية للمسؤولين عن تلك الانتهاكات المروّعة".
وأضاف أنّه "سواء كانت الحكومة في إسرائيل تمثل اليسار أو الوسط أو اليمين؛ فإنّ الثابت في سياستها استخدام العنف المميت ضد الفلسطينيين. ومع ذلك، نخشى أن يشهد العام الجاري ارتفاعًا إضافيًا في العنف الإسرائيلي مع تولي السلطة صنّاع قرار متطرفين لا يؤمنون سوى بقتل الفلسطينيين وطردهم من أراضيهم".
واستعرض التقرير بالأرقام مؤشرات تفصيلية لحالات قتل الفلسطينيين على يد الجيش الإسرائيلي خلال عام 2022، إذ وثق مقتل 204 فلسطينيين على مدار العام المنصرم، منهم 142 من الضفة الغربية بواقع 69.6% من إجمالي الشهداء، و37 من قطاع غزة بواقع 18.1% من إجمالي الشهداء، و20 من القدس بواقع 9.8% من إجمالي الشهداء، و5 من البلدات العربية داخل إسرائيل بواقع 2.4% من إجمالي الشهداء.
وأظهرت المعطيات التي عرضها التقرير أنّ الجيش الإسرائيلي نفّذ 32 عملية إعدام ميداني خلال عام 2022، منها 18 نُفّذت بعد ادعاءات بتنفيذ أو محاولة تنفيذ عملية طعن أو دعس ضد إسرائيليين قرب حواجز أو نقاط تمركز إسرائيلية، والبقية كانت غالبًا دون أي مبرر أو لمجرد الاشتباه.
وشهدت محافظة جنين سقوط العدد الأكبر من الشهداء مقارنة بباقي المدن والمحافظات الفلسطينية، إذ قتل فيها 55 فلسطينيًّا بما يمثل 26.9% من القتلى، تليها نابلس 35 قتيلًا بنسبة 17.1%، وارتبط ذلك بزيادة وتيرة عمليات الاقتحام التي نفذتها القوات الإسرائيلية للمحافظتين وتنفيذها عمليات خاصة فيهما.
وسجّل شهر أغسطس/آب 2022 استشهاد أكبر عدد من الفلسطينيين في شهر واحد، بواقع 42 شهيدًا (20.5% من إجمالي عدد الشهداء)، ويرجع ذلك إلى الهجوم الذي شنّه الجيش الإسرائيلي ضد حركة "الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة في ذلك الشهر، يليه شهر أكتوبر الذي شهد مقتل 28 فلسطينيًا، ومن ثم شهر أبريل بواقع 23 شهيدًا، ونوفمبر 20 شهيدًا، وسبتمبر 18 شهيدًا، ومارس 17 شهيدًا.
وأظهر تحليل سياقات القتل وطبيعة الضحايا أن 125 شخصًا من بين الشهداء كانوا من المدنيين غير المنخرطين في أي أعمال مواجهات، بما يمثل 61.2% من إجمالي الشهداء، يضاف لهم 17 شخصًا قتلوا خلال محاولاتهم تنفيذ هجمات فردية (طعن أو دهس)، في حين استشهد 62 شخصًا من المسلحين الفلسطينيين الذين كانوا يعملون إما بشكل فردي أو منخرطين ضمن مجموعات مسلحة، وغالبيتهم استشهدوا خلال اشتباكات أو محاولة تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية.
ووفق الأرقام التي وثّقها التقرير، شكّل الأطفال نحو 20% من ضحايا عمليات القتل الإسرائيلية خلال عام 2022، إذ استشهد41 طفلاً في هجمات واعتداءات نفذتها القوات الإسرائيلية، بينما قُتلت ثماني نساء في ذات العام، ثلاثة منهن قضوا في عمليات إعدام ميداني في الضفة الغربية.
وأكّد المرصد الأورومتوسطي أنّ تفويض المستوى السياسي الرسمي الإسرائيلي للجيش والأمن للعمل بـ"حرية كاملة" تحت ذريعة "دحر الإرهاب" مهّد لإطلاق يد القوات الإسرائيلية على نحو غير مبرر لقتل المدنيين الفلسطينيين والتنكيل بهم على الحواجز العسكرية وفي مختلف المدن والقرى والبلدات بالأراضي المحتلة.
وشدّد على أنّ سلوك القوات الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين يظهر استهتارها الواضح بالتزاماتها الدولية بموجب مواثيق حقوق الإنسان ذات العلاقة، ولا سيما اتفاقية جنيف الرابعة، التي تُلزم أطراف النزاع بحماية المدنيين وعدم تعريضهم للخطر، إلى جانب ميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، والذي ترقى بموجبه الممارسات الإسرائيلية إلى جرائم حرب.
ودعا المرصد الأورومتوسطي الاتحاد الأوروبي إلى مراجعة العمل باتفاقية الشراكة مع الحكومة الإسرائيلية بالنظر إلى انتهاكات السلطات الإسرائيلية لبنودها المتعلقة باحترام حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية، ووقف برامج التعاون إلى حين الوفاء بالتزاماتها والحد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية.
وحث المرصد آليات وهيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة على التحرك العاجل لحماية المدنيين في الأراضي الفلسطينية، واتخاذ خطوات جادة لضمان التحقيق والمساءلة عن الانتهاكات الجسيمة والانتهاكات التي قد ترقى لجرائم حرب.
وطالب المحكمة الجنائية الدولية بإنهاء حالة التلكؤ والشروع الفعلي في تحقيقاتها في الانتهاكات الإسرائيلية، والتعامل مع الحالة في الأراضي الفلسطينية بذات السياسة التي تتعامل بها مع ملفات مشابهة في مناطق أخرى من العالم.