يُهدد ارتفاع وتيرة الاحتجاجات في الكيان الإسرائيلي مصير الاستقرار والأمن الداخلي لدى الاحتلال، في ظل عزم اليمين الديني المتطرف الحاكم على تطبيق ما يسميها "إصلاحات قضائية" مقابل رفض قاطع من المعارضة.
وكان قرابة 80 ألف متظاهر خرجوا في تظاهرة عارمة وغير مسبوقة وسط "تل أبيب" مساء السبت، رافعين شعارات ترفض التغييرات في النظام القضائي الذي يمنح اليمين تمثيلًا كبيرًا في صفوف قضاة المحاكم المركزية والمحكمة العليا.
وترافق مع الاحتجاجات مطالبات زعماء المعارضة بعدم السماح للحكومة بتطبيق سياساتها، ووصلت إلى حد الدعوة لحالة العصيان المدني.
وينذر تواصل حالة التجاذب السياسي داخل الكيان ومضي الائتلاف في إصلاحاته، بارتفاع وتيرة الصراع بين اليمين الديني المتطرف الحاكم من جهة، واليمين العلماني إلى جانب قوى اليسار من جهة أخرى، مع احتمال – وإن كان ضعيفًا – باندلاع حرب أهلية، حسب محللين.
مؤشر مقلق
وتعقيبًا على ما يشهده الكيان، يقول المختص في الشأن الإسرائيلي سعيد بشارات، إن الاحتجاجات تأتي في ظل مشروع نتنياهو بالمضي فيما يسميها "إصلاحات" في قطاعات القضاء والتعليم والأمن، ويسميها المعارضون أنها "انقلاب" على السلطة القضائية.
ويرى بشارات في حديثه لوكالة "صفا" أن المظاهرات عادية لكن العدد كبير جدًا ومقلق لنتنياهو وشركائه، ومشجع لليسار وأتباعه.
ويشير إلى أن المعارضة تخطط لمظاهرة أكبر الأسبوع المقبل وحالة شبه عصيان مدني يشمل قطاعات مهمة وحيوية في الكيان ستؤثر على نتنياهو.
ويتوقع بشارات ألا تقف حكومة نتنياهو مكتوفة الأيدي، مرجحًا حدوث احتكاكات في المسيرة المقبلة.
وحول احتمال اندلاع حرب أهلية، يستبعد المحلل بالشأن الإسرائيلي حدوث ذلك، مشيرا إلى أنه احتمال ضعيف جدًا خلال الفترة القريبة المقبلة.
ويبين أن إسرائيل تجد نفسها في محيط معادٍ يفرض عليها أن تكون منتبهة وتحافظ على أساسيات بقائها وهذا يدفعها إلى عدم الخروج عن الخط المعتاد في الصراع الداخلي.
ويتابع بشارات، "هناك مشاحنات داخلية وتحريض على القتل وإصرار على مواجهة نتنياهو بقوة لكن حتى الآن لم يخرج هذا الشيء ولا يوجد مبادرات أو علامات مستقبلية لخروج هذا الأمر عن المعهود والذهاب إلى حرب أهلية".
لكنه يعتقد أن المعارضة لن تستسلم لتوجهات نتنياهو، متوقعًا أن تدخل الأمور في دوائر الاحتكاك تكون في معظمها تراشقات سياسية وقد تتعدى إلى احتكاكات بين متظاهرين من الفريقين.
ويستبعد بشارات ذهاب الكيان لانتخابات مبكرة نتيجة الأزمة الراهنة.
واقع غير مسبوق
من جهته، يقول الباحث في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي إن نتائج الانتخابات الإسرائيلية أفضت إلى واقع غير مسبوق في داخل الكيان منذ عام 1948.
ويضيف "عندما انطلق الكيان قبل 75 عامًا تمكن النظام السياسي الإسرائيلي من توفير أدوات سمحت للفرقاء بإدارة خلافاتهم سواء عن طريق مبدأ فصل السلطات أو الالتجاء إلى ما يسمى وثيقة الاستقلال واستشعار خطر خارجي داهم".
ويرى النعامي أنه بات من الواضح أن "قوى اليمين الديني المنتصرة في الانتخابات الأخيرة معنية بحسم الصراع على هوية الكيان وطابعه والعلاقة بين الدين والدولة، وأصبحت تبحث عن إقصاء الأغلبية العلمانية من الفضاء العام عبر سلسلة من الإجراءات".
ويتابع "المنتصرون الممثلون بقوى اليمين الديني، والمنهزمون الممثلون بقوى اليمين العلماني يجمعهم العداء والعنصرية تجاه العرب، لكن الطرف الأخير بات يستشعر تداعيات سعي قوى اليمين الديني لحسم الصراع على هوية الكيان سيّما بعدما اتجهت الحكومة اليمينية بنسف استقلالية القضاء حتى يتسنى لهم طرح القوانين التي تضمن إمضاء رؤاهم الفقهية على المجتمع بأسره وتمريرها".
ويوضح النعام "لذلك نجد أن اليمين الديني يُكرّس الفصل بين الجنسين والتمييز ضد الأقليات (الشواذ والمرأة) وإخراج المرأة من الفضاء العام وتقديم مزايا واعتبارية لقوى اليمين الديني بشكل غير مسبوق".
ويلفت إلى أن ما يبثّ القلق لدى الكيان هو أن النظام السياسي الإسرائيلي لم يعد قادرًا على احتواء الخلافات وإداراتها، وقدرته على التماسك باتت متهاوية.
ويبين النعامي أن القوى العلمانية تشعر بالمرارة لأن أفرادها يشكلون أكثر من 90% من سوق العمل وقوات الجيش ما دفعها إلى هذه الاحتجاجات.
ويرى المحلل بالشأن الإسرائيلي بأنه من السابق لأوانه اندلاع حرب أهلية في "إسرائيل" قريبًا.