يعتبر باب الأسباط من أهم أبواب المسجد الأقصى المبارك وأقدمها تاريخيًا، يتميز بزخارف معمارية بارزة ذات طابع دفاعي مُحصن، يتكون من فتحة كبيرة الحجم، يعلوه برج ثلاثي الأطراف، على جانبيه محرابين يعلوهما قوسان صغيران مدببان.
ولهذا الباب تسمية تُطلق على بابين في مدينة القدس المحتلة، الأول يقع في السور الشرقي للبلدة القديمة، ويُفضي إلى طريق المجاهدين أو "درب الآلام"، والآخر أحد أبواب الأقصى العشرة، ويقع في زاويته الشرقية الشمالية.
وبعد أن أغلق الاحتلال الإسرائيلي باب المغاربة في السور الغربي للأقصى عام 1967، أضحى باب الأسباط المدخل الرئيس للمُصلين القاصدين المسجد، وخاصةً القادمين من خارج القدس، لقربه من باب الأسباط في السور الشمالي الشرقي للأقصى.
ويفصل بين البابين ساحة مفتوحة تُسمى ساحة الإمام الغزالي، التي شهدت اعتصامات فلسطينية حاشدة، رافضة للبوابات الإلكترونية التي وضعتها سلطات الاحتلال على مداخل الأقصى في يوليو/تموز 2017.
ويشكل هذا الباب المدخل الوحيد لدخول سيارات الإسعاف للمسجد في حالات الطوارئ، كونه يعد أوسع الأبواب المساوية للأرض، إذ شهد خروج جرحى وشهداء، خلال المجازر الثلاث التي شهدها الأقصى في سنوات 1990 و1996 و2000.
ويُطلق على باب الأسباط أسماء كثيرة، منها "باب أريحا" أو "الغور"، وباب "ستنا مريم"، لقربه من كنيسة القديسة حنة التي هي -حسب المعتقدات المسيحية- مكان ميلاد السيدة مريم عليها السلام، بالإضافة إلى "باب الأسود".
وجُدّد الباب في الفترة الأيوبية في عهد السلطان الملك المعظم عيسى عام 1213، ثم في العهدين المملوكي والعثماني، قبل أن يعاد ترميمه مرة أخرى عام 1538 في عهد السلطان سليمان القانوني.
انتهاكات خطيرة
وعلى جانبي الباب يوجد غرفة صغيرة استولت عليها سلطات الاحتلال قبل نحو عشر سنوات، وحولتها مركز للشرطة تستخدمه في بعض الأحيان لتنفيذ اعتقالات بحق الوافدين للمسجد الأقصى.، وفق رئيس أكاديمية الأقصى للوقف والتراث الشيخ ناجح بكيرات
ويوضح بكيرات، في حديثه لوكالة "صفا"، أن محاولات الاحتلال للسيطرة على باب الأسباط لم تتوقف منذ اليوم الأول لاحتلال القدس عام 1967، حين اقتحمت الدبابات العسكرية وقوات المظليين الإسرائيليين، البلدة القديمة عن طريق هذا الباب، لتحتل المسجد الأقصى بعدها.
ويطل الباب الواقع في الزاوية الشرقية للبلدة القديمة على مقبرتي اليوسفية، وباب الرحمة، والتي تضم قبور عدد من الصحابة والمجاهدين الذين شاركوا في الفتح العمري والصلاحي للمدينة المقدسة.
ويضيف بكيرات أن باب الأسباط تعرض منذ احتلال الأقصى، لانتهاكات إسرائيلية كثيرة، وللحفريات في محيطه، استمرت حتى العام 2021، بالإضافة إلى نصب كاميرات مراقبة عالية جدًا فوقه، بهدف مراقبة المصلين الوافدين للمسجد.
وخلال سنوات سابقة، شهد الباب عدة عمليات فدائية نفذها شبان فلسطينيون، ما أدى لاستشهاد العديد من الشبان في محيطه، ناهيك عن اعتداء قوات الاحتلال على المصلين بالضرب المبرح.
ولم تكتف سلطات الاحتلال بذلك، كما يقول بكيرات، بل عمدت في 14 يوليو عام 2017 لإعلاق الأقصى بالكامل، ومنعت المصلين من دخوله لأداء صلاة الجمعة، ونصبت بوابات حديدية على مداخله، الأمر الذي رفضه المقدسيون وكافة المؤسسات والمرجعيات الدينية.
وتحول باب الأسباط حينها لميدان رئيسًا لاعتصام المقدسيين، احتجاجًا على البوابات الإلكترونية، حتى تمكن المقدسيون بصمودهم وثباتهم وبعد 15 يومًا، من إزالتها وإفشال مخطط الاحتلال بحق الأقصى.
ويبين بكيرات أن باب الأسباط دائمًا ما يكون عامر بالمصلين والوافدين للقدس والأقصى، ويشهد ازدحامات، خاصة في أيام الجمعة، بهدف شراء حاجياتهم من البسطات المتواجدة على أطرافه.
ويشير إلى أن سلطات الاحتلال حاولت نصب حاجز حديدي على بعد 50 مترًا من الباب بالداخل لمنع دخول المركبات والحافلات، إلا أنها فشلت في ذلك، علمًا أنه يشكل الشريان الرئيس لوصول الحافلات إلى البلدة القديمة.
سيطرة وهيمنة
وفي 28 آب/ أغسطس الماضي، اقتحم المستوطنون المسجد الأقصى من باب الأسباط، لأول مرة منذ احتلال شرقي القدس، وتطالب الجماعات المتطرفة بفتح مزيد من الأبواب للاقتحامات، علمًا أن سلطات الاحتلال تُسيطر على مفاتيح باب المغاربة ومن خلاله تنفذ الاقتحامات اليومية.
ويقول رئيس أكاديمية الأقصى "إن وضع الأقصى أصبح بين فكي كماشة، ومحاولات إخراج المستوطنين من باب الأسباط دلالة على مطالب الاحتلال بالسيطرة على جميع أبواب الأقصى، وجعل المنطقة بكاملها تحت إشراف الاحتلال بالكامل".
ويؤكد الشيخ بكيرات، أن باب الأسباط سيظل يشكل علامة فارقة في النضال الفلسطيني، وصمود أهل القدس، رغم كل محاولات الاحتلال للسيطرة عليه، والاستفراد فيه، والسماح للمتطرفين باقتحام الأقصى عبره، باعتباره خط الدفاع الأول عن بقية الأبواب.
ويشدد على أن الوجود الإسلامي اليومي والحاشد أعاق كل مخططات الاحتلال للسيطرة على هذا الباب، لذلك على المقدسيين المحافظة عليه وحمايته، باعتباره جزءًا لا يتجزأ من الأقصى.