لـ"إسرائيل" باع طويل في احتجاز جثامين الشهداء والموتى، فهذه الصفة تُعد ديدنها منذ جثومها على أرض فلسطين، على شكل عصابات إجرامية، وما تزال تمارسها حتى اليوم.
ويُعد الشهيد الفلسطيني قاسم أبو خضرة من عكا، أحد أوائل من احتجزت العصابات الصهيونية جثمانه، بعدما أعدمته سنة 1979، ولم تسلم جثمانه إلى اليوم.
وضمن ملف كشف مجازر وملفات مخفية، أطلقته وكالة الصحافة الفلسطينية "صفا" مؤخرًا، تسلط الضوء على الشهيد أبو خضرة، كنموذج لجريمة احتجاز الجثامين، التي ما تزال "إسرائيل" تمارسها، والتي لن تكون آخرها احتجاز جثمان الأسير الشهيد ناصر أبو حميد.
وتحتجز "إسرائيل" جثامين 373 شهيدًا، بينهم 11 لشهداء من الحركة الأسيرة، ارتقوا داخل سجون الاحتلال.
تشبث بالأرض
ويقول المحامي في عدد من الملفات المختصة بمجازر "إسرائيل" في أراضي عام 48، والمختص بالكشف عنها جهاد أبو ريا: "إن الشهيد قاسم محمد أبو خضرة من عكا وقد ولد 1914، وأتمّ تعليمه الابتدائي، والإعدادي في مدينته، ثم تفرغ للعمل مع والده".
ويضيف: "كان والده من كبار رجال الأعمال في المدينة وكان يدير عدداً من قوارب الصيد على الساحل الفلسطيني".
وفي النكبة، تشبثت عائلة أبو خضرة بالأرض ولم تغادر رغم كل حملات التنكيل والاضطهاد، وبقي قاسم يدير قوارب الصيد في عكا، وتزوج من رويدة الريّس ابنة عم الأديب الراحل ناهض منير الريس.
ولقاسم عشرة من الأبناء، أكبرهم الشهيد محمد، ثم فكرية، صفية، أحمد، سليم، عادل، نجاة، صباح، سلوى، أنيسة، مهى.
عمله الفدائي وفشل المخابرات
وخلال مجازر النكبة، تواصل أبو خضرة مع المقاومة في قطاع غزة، وزودهم بالمعلومات التي تساعدهم على تنفيذ عملياتهم القتالية ضد الاحتلال وعصاباته.
وحسبما جاء، فإن قوات الاحتلال اعتقلت أبو خضرة، ولكنها لم تستطع أن تنتزع منه أي معلومات أو تثبت طبيعة علاقته بالفدائيين، فراحت تتهمه بالاتصال بالمخابرات المصرية وأخضعته لعمليات تعذيب إجرامية.
ويقول شهود عيان "إن الجلادين قاموا باقتلاع أظفاره، ولكن دون جدوى، وفي نهاية المطاف، أطلقوا سراحه بشرط أن يلتزم بيته ويحضر يومياً إلى دوائر المخابرات لإثبات وجوده".
وبقي أبوخضرة على هذا الحال حتى استطاع الوصول إلى لبنان بقارب صيد، لينضم لقوات الثورة الفلسطينية هناك، وباشر بنقل الأسلحة والمتفجرات إلى عكا وحيفا.
تعذيب ووفاء حتى الشهادة
وخلال ذلك، قامت المجموعة التي كان يزودها بالسلاح، بعمليات فدائية، منها تفجير خط أنابيب النفط، وتفجير خمس بنايات سكنية يقطنها رجال المخابرات الصهيونية.
واستمر أبوخضرة في نقل السلاح حتى اصطدم قاربه بدورية للاحتلال كانت تقوم بمراقبته، فحاول الهرب والعودة بقاربه إلى لبنان، فاعترضه السفن الحربية ودمرت قاربه وأصابته بجراحٍ بالغة بيده، واعتقلته مع المجموعة التي تقوم بمساعدته بنقل السلاح.
وخضع أبو خضرة لعمليات تعذيب شديد، ولكنه رغم كل ما تعرض له أنكر أي علاقة له بالثورة الفلسطينية، وقال إنه كان يقوم بعملية صيد للأسماك.
ولم تقتنع مخابرات الاحتلال بإفاداته، وكعادتها، أذاقته العذاب، ولكنه بقي صامداً أمام كل المغريات بتقديم كل ما يطلبه، ورغم الجراح التي ملأت جسده.
ولاحقًا، استطاعت المخابرات الإسرائيلية عبر أساليبها المعلوماتية وخلال التحقيق معرفة بأن قاسم أبو خضرة كان مصدر السلاح.
وانتقامًا منه، قامت المخابرات بتصفيته جسدياً، ولم تسلم جثمانه لعائلته عام 1969، وفوق هذا وذاك زعمت أنه انتحر