يُبدي محللون سياسيون ومختصون قلقًا من أن يكون عام 2023 "أكثر اشتعالًا" مع وصول حكومة يمينية إلى سدة الحكم في الكيان الإسرائيلي، في ظل تقديم قادتها برنامجًا متطرفًا للتعامل مع الفلسطينيين في جميع أماكن تواجدهم كافة.
ويضم الائتلاف الحكومي الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو، أحزاباً يمينية شديدة التطرف بينها حزب "عوتسما يهوديت" برئاسة "إيتمار بن غفير" التي سيترأس وزارة الأمن الداخلي، وهي حقيبة وزارية تملك سلطات موسعة على الشرطة في الكيان الإسرائيلي والقدس والضفة الغربية المحتلة.
واتفق حزب "بن غفير"، مع نتنياهو على سن تشريع يسمح بفرض عقوبة الإعدام على الفلسطينيين منفذي العمليات ضد قوات الاحتلال والمستوطنين؛ ووفقا للاتفاق الائتلافي، سيتم تمرير القانون في الكنيست قبل المصادقة على الميزانية العامة للدولة لعام 2023.
كما يحمل "بن غفير" عداءً كبيرًا تجاه الفلسطينيين في الداخل المحتل؛ إذ هدد ذات مرة بإسقاط الجنسية الإسرائيلية عنهم، كما أُدين في عام 2007 بالتحريض على العنصرية.
وتضم حكومة الاحتلال الجديدة أيضًا حزب "الصهيونية الدينية"، وعلى رأسها "بتسلئيل سموتريتش" الذي منحه نتنياهو صلاحيات واسعة في الضفة الغربية بما في ذلك سحب صلاحيات من وزير جيش الاحتلال حول المسؤولية عن الإدارة المدنية ومنسق أعمال الحكومة في الضفة، ومنحها لوزير تابع لحزب "سموتريتش"، تحت مسمى وزارة الجيش.
ووفق تقارير عبرية، تمكن "سموتريتش" من الحصول على تعهد من نتنياهو بالدفع قدما بعملية ضم أراض فلسطينية في الضفة وفرض "السيادة الإسرائيلية" عليها.
المسجد الأقصى المبارك لن يكون بعيدًا عن عين حكومة الاحتلال المقبلة، من خلال اعتزامها تكثيف تحركاتها باتجاه السيطرة عليه.
ومن شأن البرنامج العدائي لحكومة الاحتلال، أن يساهم في تفجير الأوضاع بشكل أكبر في مناطق الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل، التي تشهد تطورًا ملحوظًا في العمل المقاوم.
وبحسب محللين ومختصين، لن تكون المقاومة في قطاع غزة بعيدة عن دائرة الأحداث لا سيما مع تحذير رئيس حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع غزة يحيى السنوار بأن عام 2023 سيشهد استحقاقات وطنية كبرى.
أمر كبير
ويقول المحلل والكاتب مصطفى الصواف، إن التطرف والإرهاب لم ينفك عن جميع الحكومات الإسرائيلية السابقة التي تتفق على سياسة واحدة وإن اختلفت أدوات التنفيذ.
وفي السياق، يشير الصواف في حديثه لوكالة "صفا"، إلى أن عدد الشهداء الفلسطينيين خلال عام 2022 بلغ أكثر من 230 شهيدًا، وهو رقم غير مسبوق في عام واحد لم يكن فيه لا نتنياهو أو بن غفير.
ويستدرك بالقول:" لكن حملة اليمين المتطرف وما يحاول سنه من قوانين خطيرة قد تؤدي إلى أمر كبير بين الفلسطينيين والاحتلال خلال عام 2023، والمقاومة ستكون على أشدها ضد الاحتلال وقراراته".
ويتوقع الصواف أن يكون عام 2023 الأكثر سخونة إذا استمر نتنياهو في تشكيل حكومته المتطرفة.
ويضيف، "ستشتعل الضفة كلها ولن يبقى فيها لا قرية ولا مدينة ولا مخيم إلا وقد اشتعلت، الأمر الذي سيمتد إلى قطاع غزة والداخل المحتل".
ويؤكد الصواف أن ما صرح به نتنياهو بإعطاء المجال أمام "بن غفير" بالدعاية لموضوع إعدام المقاومين الفلسطينيين سيكون من أشد علامات هذه الحكومة، "خاصة أنهم يمارسون حاليًا الإعدام ولكن بشكل غير قانوني بالنسبة لنظامهم، فيما يبحثون عن تشريع لهذا الإجرام".
ويلفت إلى أن ملف القدس المحتلة والتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى سيكون من أهم أهداف حكومة نتنياهو و"بن غفير".
نفوذ كبير للتطرف
من جانبه يقول المحلل السياسي ساري عرابي، إن الأحزاب اليمينية المتطرفة سيكون لها نفوذ كبير في حكومة الاحتلال المقبلة.
ويضيف عرابي لوكالة "صفا"، أن من أهم أهداف حزب "سموتريتش" ضم الضفة الغربية أو إجراء القوانين الإسرائيلية عليها وتحديدًا على المستوطنين فيما يتعلق بالتوسع والبناء.
ويشير إلى أن جزءًا من وعود "سموتريتش" يتمثل في إلغاء الإدارة المدنية لأنها تمثل فعليًا الحُكم العسكري للضفة الغربية، وهذا الحُكم يعني أن القوانين المدنية التي تجري على الكيان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة عام 1948 لا تنطبق على الضفة الغربية.
ويوضح أن هذا الأمر يتناقض مع أهداف "الصهيونية الدينية" التي ترى أن الضفة الغربية أرض "يهودا والسامرة" وهي الأرض المقدسة وأن الاستيطان فيها جوهري وضروري وأنه لا بد من تطبيق القوانين المدنية عليها، الأمر الذي يعني ضمها وتوسيع الاستيطان وهدم بيوت الفلسطينيين، بما سيؤدي إلى زيادة في أعداد الشهداء.
وذكر عرابي أن "إسرائيل" دولة عدوانية وباطشة ودموية لكنها تضبط بعضًا من حساباتها بنوع من الحسابات الاستراتيجية، بينما سنشهد الآن تطرفًا غير عاقِل قد يفضي إلى تصاعد الاعتداء على الفلسطينيين.
ويشير إلى أن هذه التطورات والزيادة المتوقعة في عمليات الإعدام والاستيطان، ستؤدي إلى إذكاءِ حالة المقاومة بشكل أكبر.
ويستدرك، "لكن من الصعب أن تتحول الضفة الغربية إلى نموذج انتفاضة ثانية مع استمرار السلطة الفلسطينية في موقفها الراهن المعارض لفكرة المواجهة مع الاحتلال والكابح لها".
غير أن عرابي لا يستبعد أن تخرج الأمور عن السيطرة وأن تتطور أشكال المقاومة بصورة لا تستطيع السلطة احتوائها.
ويؤكد المحلل السياسي أن قطاع غزة ليس بعيدًا عن المواجهة وهو في حالة مقاومة يستعد بشكل دائم لها.
ويلفت إلى أن المقاومة في غزة قد تدخل في مواجهة في أي لحظة رغم سعي الاحتلال في سياسة جز العشب الذي تراكمه المقاومة من قدرات.
انفجار متوقع
ويرى المختص بالشأن الإسرائيلي سعيد بشارات أن تفجُر الأوضاع يعود لمدى قدرة نتنياهو على ضبط حكومته بمعياره الخاص كما كان يفعل سابقًا.
ويقول بشارات لوكالة "صفا":" حسب المعطيات التي رافقت المفاوضات الائتلافية سيكون الوضع مختلفًا عمّا كان سابقًا لأن كل طرف سياسي ضمِن لنفسه تطبيق سياسته عمليًا، وربط ذلك بمسألة بقاء الحكومة".
ويشير إلى أن قانون إعدام الفلسطينيين الذي يتبناه "بن غفير" سيُطبق لأن إقراره تم ربطه بإقرار الميزانية في دولة الاحتلال التي بدونها لن تقوم الحكومة.
ويؤكد أن "سموتريتش" ضَمِن أن يدير ملفات وزارة الجيش وسيُعين الحاخامات وسيُملي سياسة الجيش وسيُعين أكبر قادة للجيش في الضفة الغربية.
ويوضح بشارات، أن نتنياهو موقفه ضعيف لأنه لا يستطيع تشكيل الحكومة بدون هذه الأحزاب الصغيرة التي تحكمه اليوم.
ويتابع "في ظل هذه المعطيات سيكون الوضع أكثر انفجارًا".
ويُضيف أن الكل يترقب من أين سيبدأ الانفجار هل من الداخل المحتل بالنظر إلى إمكانية ارتكاب شرطة الاحتلال مجازر، لأنه هناك سياسة خاصة بالنسبة للداخل يركز عليها "بن غفير"، أم ستنفجر الأوضاع من المسجد الأقصى، أو من الضفة الغربية بسبب زيادة القتل والاستيطان.
ويُنبه بشارات إلى أن عوامل انفجار غزة أصبحت مرتبطة بالقدس والضفة الغربية والداخل المحتل، ولم تعد تتصل بالوضع الإنساني، بل بموضوعات القدس والأسرى والقتل في الضفة.
وفي خلاصة قوله، يُشدد بشارات على أن تطبيق حكومة الاحتلال الإسرائيلي لبرنامجها سيؤدي للانفجار في اليوم التالي مباشرة.