منذ احتلال مدينة القدس المحتلة عام 1967، حرمت سلطات الاحتلال نحو 20 ألف فلسطيني من هويتهم المقدسية، وأجبرتهم على الرحيل إما للضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، أو دفعتهم للهجرة القسرية خارج الوطن، في محاولة لإفراغ المدينة من الفلسطينيين، وخلق واقع ديمغرافي جديد.
وتعد سياسة تهجير الفلسطينيين من المدينة المقدسة أحد أبرز وأخطر سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والساعية لحسم الوضع الديمغرافي فيها، لصالح اليهود.
ووفرت القوانين والأنظمة العنصرية التي سنها الاحتلال، غطاءً لحرمان الفلسطينيين المقدسيين من حقوقهم المشروعة بما في ذلك حقهم بالبقاء في مدينتهم المقدسة فسحبت، بالاستناد إليها، هوياتهم، وطردتهم منها قسريًا.
وخلال السنوات الأخيرة، قدمت مؤسسات تعنى بحقوق الإنسان التماسات عديدة للمحكمة العليا الإسرائيلية ضد وزارة داخلية الاحتلال باسم العديد من المقدسيين ممن حُرموا من الهوية أو سُلبت منهم.
وأشارت "المحكمة العليا" بمجمل قراراتها، إلى أن الفلسطينيين بالقدس هم سكان أصليون لهم حقوق ولا ينبغي التعامل معهم كمهاجرين، لكن رغم ذلك واصلت داخلية الاحتلال سياسة تجريدهم من الهوية وطردهم.
وذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية أن السلطات الإسرائيلية رفضت منح الهوية لحوالي 13 ألف فلسطيني من سكان القدس منذ عام 1995، بذريعة أن "مركز حياة هؤلاء الفلسطينيين لم يعد في القدس، لكنه في الخارج أو بالضفة الغربية".
ورأت الصحيفة في ترحيل المحامي صلاح الحموري المقدسي الأصل، إلى فرنسا، بمثابة "رسالة تحذير عملية من إسرائيل، للفلسطينيين المقيمين في المدينة من أنهم إن لم يخضعوا ويصمتوا ويطيعوا سلطاتها، فإنه سيتم حرمانهم من الإقامة الدائمة".
وذكرت أن الحموري يحمل الجنسية الفرنسية، لذلك أمكن طرده وترحيله خارج الحدود، لكن المقدسيون الآخرون الذين سيحرمون من مكانتهم سيتمكنون من الترحيل من منازلهم وعائلاتهم إلى الضفة وربما لغزة، أو سيبقون في القدس محرومين من حقوق الهوية الأساسية (العلاج الطبي والدراسات بشكل أساسي)، مما سيكون له بالتأكيد تأثير سلبي على عائلاتهم أيضًا.
تصفية الوجود
الباحث المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب يقول إن كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة استخدمت وما تزال سياسة سحب الهويات من المقدسيين، باعتبارها هدفًا استراتيجيًا لها، بغية تفريغ المدينة المقدسة، وتصفية الوجود الفلسطيني فيها.
ويوضح أبو دياب، في حديث لوكالة "صفا"، أن سلطات الاحتلال تسعى إلى تصفية الوجود الفلسطيني في القدس، وحسم الصراع الديمغرافي فيها، لصالح المستوطنين، حتى تتمكن من تقليص عدد المقدسيين، مقابل وجود غالبية يهودية في المدينة.
ويشير إلى أن نحو 20 ألف مقدسي تم سحب هوياتهم وإبعادهم عن مدينة القدس كليًا منذ احتلال القدس عام 1967، حتى اليوم، مبينًا أن هذه السياسة ازدادت في سنوات التسعينات، وربما تزداد أكثر خلال الأيام والشهور المقبلة.
ويعتبر سياسية الاحتلال بأنها ممنهجة ومجحفة بحق المقدسيين، ومنافية لكل الأعراف والقوانين الدولية، محذرًا في الوقت نفسه، من مخاطر زيادة وتيرتها، في ظل صعود اليمين الإسرائيلي المتطرف.
وتسعى سلطات الاحتلال لإنهاء الصراع الديمغرافي في القدس، باعتباره يمثل المعضلة الكبرى أمام تنفيذ مخططاته، لذلك تحاول بشتى الوسائل العمل على تقليص نسبة المقدسيين إلى 16% من إجمالي عدد السكان، والذين يشكلون اليوم ما نسبته 40%.
صمت دولي
ووفق الباحث المقدسي، فإن سياسة سحب الهويات والإبعاد، تأتي ضمن مسلسل التهجير والطرد القسري الذي تتبعه سلطات الاحتلال بحق المقدسيين، وصولًا لتفريغ المدينة المحتلة.
وتتناقض هذه الإجراءات مع مبادئ القانون الدولي الذي يقرّ بأن الفلسطينيين في القدس هم أصحاب الأرض الأصليون ويمنع طردهم من وطنهم، كما يخالف اتفاقية جنيف الرابعة، وما نصت عليه المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ويضيف أبو دياب أن "الاحتلال يتمادى باتباع هذه السياسة الممنهجة، نظرًا لعدم وجود من يردعه ويُقدمه للمحاكمة الدولية، في ظل صمت المجتمع الدولي والأمم المتحدة إزاء ما يجري في مدينة القدس من جرائم وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان".
ويشير إلى أنه يتم سنويًا، جلب عشرات آلاف اليهود إلى فلسطين، ومنحهم الحقوق والامتيازات، في المقابل تحرم سلطات الاحتلال الفلسطينيين من حق الإقامة و"لم الشمل".
ويطالب أبو دياب العالم والمجتمع الدولي بتسليط الضوء على قضية سحب الهويات والإقامات من المقدسيين، والتدخل العاجل لوقف هذه السياسة الخطيرة، وكل ممارسات الاحتلال واعتداءاته بحق الفلسطينيين.