يعيش في لبنان

"معّوض".. لاجئ ورث صناعة الخيزران وأبدع فيها

بيروت - دينا فروانة- صفا

في ورشة والده، المُعبقة برائحة التراث وأصالة التاريخ، وبين القطع التراثية الممزوجة بعبق الماضي وأصالة الحاضر، اختار اللاجئ الفلسطيني في بيروت عماد معوّض، أن يكمل مسيرة جده ووالديه في صناعة الخيزران، حفاظًا على هذه المهنة من الاندثار، وتمسكًا بتراثه الفلسطيني العريق.

بدأ جده العمل في هذه المهنة منذ تهجيره قسرًا من مدينة يافا بالداخل الفلسطيني المحتل، إلى لبنان في العام 1948، ثم أورثها لأبنائه، وأحفاده، الذين ورثوها جيلًا بعد جيل، ورغم مرور عشرات السنين عليها، إلا أنها حافظت على قيمتها بين المهن الأخرى.

ونقل معوض مهنة أجداده من الأساليب القديمة إلى حداثة الحاضر، وأضفى عليها لمساتٍ عصرية تنطقُ جمالًا وبهاءً، رافضًا الاندماج الكلي في وظيفته الرسمية، ليبقى وريثًا أمينًا على مهنة والده.

من الأجداد إلى الأبناء

ويقول اللاجئ معوّض (41عامًا)، الذي يسكن في بيروت: "عمِلَ والدي (69 عامًا) في مهنة الخيزران منذ أن كان في العاشرة من عمره، بعد أن تعلمها من والده، الذي كان يساعده في صناعة سلال القش والعكاكيز، والكثير من المنتجات التي يوزعها في السوق".

ويوضح معوض، في حديثه لوكالة "صفا"، أنّ والده احترف مهنة صناعة الخيزران، حتى أصبح لا يعصى عليه شيء في هذه المهنة.

ويضيف "أثناء العطلة المدرسية بدأت العمل مع والدي ومساعدته في إنتاج كميات كبيرة من قطع الخيزران، واكتسب خبرةً متواضعة في حينها، إلا أنه اليوم وبعد تفرغه للمهنة أصبح يتقنها باحترافٍ كبير".

وفضل معوض البقاء في مهنة والده وأجداده، على وظيفته الإدارية في إحدى الشركات التي تعمل في تجارة وصناعة الحديد، التي تركها منذ 8 أشهر ليتفرغ للعمل.

وعن ذلك يقول معوض: "عندما أصبح والدي كبيرًا في السن، ولم تساعده صحته على العمل في هذه المهنة؛ لأنها تحتاج إلى قوة بدنية كبيرة جدًا، وجدت نفسي إلى جانبه، أتعلم منه كل ما أحتاجه، وأصنع كل ما يطلبه مني".

ويضيف "فضلت ترك وظيفتي لأعمل في مهنة والدي وجدي، التي نالت حبًا كبيرًا مني، لذلك تعلمتها بفترة قياسية جدًا، فأنا في صغري كانت خبرتي قليلة، أما الآن، لقد فاجأت والدي بموهبتي؛ حتى أصبح يعتمد عليّ، دون أن يعطيني أية ملاحظة على عملي".

ويلفت معوض إلى أنه ومع إصرار شركته قبل 3 أشهر لعودته إلى العمل اشترط عليهم، أنّ يداوم جزئيًا؛ حتى يستطيع العمل في ورشة والده.

صناعة الخيزران

"وتبدأ صناعة الخيزران، بإحمائه على النار لتشكيله؛ لأنّ النار تخفف من صلابته؛ حتى نستطيع ثنيه، وإعطائه الشكل الذي نريد، ثم يتم تبريده بالماء، ليثبت على شكله، بعد أن نتأكد أنه أصبح على الشكل الذي نريده"، كما يقول معوض لوكالة "صفا".

ويذكر أنه "بعد العملية الأولى نصنع عددًا من الأشكال، ونجمعها معًا بواسطة البراغي والمسامير، ليصبح على شكل كرسي أو طاولة أو أي شكل نريد صنعه".

وحول القطع والأشكال التي كان ينتجها والده، يبين أنه كان يصنع تصاميم متشعبة جدًا من غرف السفرة وغرف الجلوس والنوم، إضافةً إلى المراجيح والمطابخ والصالونات، موضحًا أنّ والده كان يوزع أسرة الأطفال المصنوعة من الخيزران على مصانع الأقمشة لتنجيدها وتصديرها إلى الخارج.

وينمو الخيزران (البامبو) وهو نبتة برية، على ضفاف الأنهار وفي المستنقعات والأحواض المائية الطبيعية في البلدان الاستوائية.

ونظرًا لأن الخيزران لا ينمو في دول الشرق الأوسط، ولا تنجح عملية زراعته فيها؛ يتم استيراده من ماليزيا وإندونيسيا، وسنغافورة، والبلدان المجاورة لها.

وحول الصعوبات والتحديات التي تواجه معوض، يوضح أنّ منتجات المهنة غالية الثمن نسبيًا؛ بسبب معالجتها حتى تصبح قابلة للتصنيع، بالإضافة إلى تكلفة شحنها المرتفعة، واحتياجها الكثير من الوقت لتصنيعها؛ كونها حرفة يدوية، ولأن الخيزران صلب جدًا.

تطوير المهنة

ومع تطور أنماط الحياة، والحداثة التي صاحبت صناعة قطع الأثاث المنزلي، يوضح معوض أنه بصدد تطوير مهنة صناعة الخيزران، وتعليمها للناس حتى تبقى مستمرة.

ويشير إلى أنه يخطط لتطوير معدات المهنة؛ لتسهيل عملية التصنيع، بتحويل طريقة ثني الخيزران من النار إلى بخار الماء، عن طريق إدخالها إلى فرن بخاري؛ لأنه ينتج حرارة قوية ولا يحرق الخيزران، إضافةً إلى صناعه القوالب لتسريع عمليه الإنتاج؛ فبدلًا من ثنيها يدويًا توضع في قالب يأخذ الشكل المُراد.

وفيما يتعلق بالتطوير الذي أدخله على التصميم، يشير إلى أنه أدخل الحديد والخشب مع الخيزران إلى ورشتهم، وابتكر تصاميم "غاية في الجمال" من الحديد والخيزران.

ويضيف "على سبيل المثال، تصبح أقدام الكرسي المراد تصنيعه من الحديد، والقسم العلوي من القش المحاك يدويًا على الحديد".

ويذكر أنّ "هذا العمل لم يسبقني إليه أحد في البلد"، موضحًا أنّ تلك التحديثات لم تكن صعبة عليه؛ بسبب خبرته في الحديد والخيزران معًا.

ر ش/أ ج

/ تعليق عبر الفيس بوك