كان في فلسطين قبل نكبتها عام 1948م مواسم تنسب إلى نبي له مقام في منطقة أو أخرى، قبل أن تأتي عصابات "إسرائيل" وتحولها إلى أماكن مهجورة، شاهدة على أطول احتلال في التاريخ.
وضمن ملف أطلقته وكالة الصحافة الفلسطينية "صفا" لكشف ملفات ومجازر مخفية في أرشيف الاحتلال الإسرائيلي، حول مشاهد وأحداث مخفية من أيام النكبة، تسلط الضوء على أهم طقوس الفلسطينيين واحتفالاتهم الشعبية المتميزة.
ويقول المختص بالكشف عن ملفات النكبة وما قبلها، المحامي جهاد أبو ريا: "إن من أهم مواسم الاحتفالات والطقوس لدى أهل فلسطين، كان موسم النبي موسى قرب أريحا، وموسم النبي صالح قرب الرملة، وموسم النبي صالح قرب قرية النبي صالح قضاء رام الله، وموسم النبي شعيب قرب حطين، وموسم النبي روبين جنوب يافا".
ومن طقوس الفلسطينيين كان أيضًا موسم النبي أيوب قرب بلدة الجورة وأيضًا قرب رأس ابن سمحان, وموسم النبي كفل قرب دير طريف، وموسم النبي عنير في بني حارث، وموسم علي بن عليم شمال يافا.
تاريخ الموسم
والاحتفاء بموسم النبي روبين كان الأشهر على مدار عقود إلا أن جاء الانتداب والاحتلال لأرض فلسطين.
والنبي روبين هو اسم قرية تقع على بُعد 14 كم غرب الرملة و15 كم جنوب يافا، وتقع على الضفة الجنوبية لنهر روبين، الذي يسمى أيضاً وادي الصرار وسيل سوريك، ويصب في البحر الأبيض المتوسط جنوب يافا، وغالبية أراضيها كانت تأخذ أشكال الكثبان الرملية، وتبلغ مساحتها حوالي 31 ألف دونم.
وجاء أن "القرية كانت مركزاً تجارياً للعرب وللصليبيين، وأقيم فيها سنة 1184 م موسمٌ تجاريٌ يقبل عليه تجار الشام ويحضرون معهم العبيد، ويتبادلون بالبيع والشراء الخيل الفارسية والكردية والأسلحة اليمنية والهندية، واستمرت المواسم التجارية إلى سنة 1200م عندما بدأت الحملات الصليبية".
وفي القرية مقام سيدنا روبين ابن سيدنا يعقوب عليهما السلام، أما بناء المسجد والمقام ففيه أقوال عديدة.
وحسب أبو ريا، فإن مراجع ذكرت أن الشيخ شهاب الدين بن أرسلان بنى المقام سنة 844هـ، بينما تفيد مراجع أخرى أن حاكم القدس المملوكي تمراز المؤيدي هو الذي بنى المسجد والمقام في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي (بين 1436م و1437م).
كما كتب عن المقام، القاضي مجير الدين سنة 1495م: "أنّه قبر سيدنا روبين"، أما وليد الخالدي فيشير إلى "أن المقام بني على أرض أقيم عليها معبد كنعاني، وأن المواسم الاحتفالية في النبي روبين يعود تاريخها إلى الكنعانيين".
وتؤكد الروايات، بأن موسم النبي روبين "كان أعظم المواسم الفلسطينية حشدًا للناس وأطولها مدة، حيث كان زواره أكثر من زوار النبي موسى، وكان يعقد عند نهر النبي روبين ولا يبعد عن شاطيء البحر سوى ثلاثة كيلومترات ولا يرتفع عن مستواه سوى عشرة امتار".
الموسم كان يبدأ لدى ظهور أول هلال في شهر آب/أغسطس ويستمر شهرًا كاملاً وكانت تقام خيام في السهل المحيط بالمقام ولا سيما عند الجانب الشمالي الغربي، وكانت الجمال تشاهد وهي آتية بعائلات تحمل معها جميع أوانيها ولوازمها لقضاء أيام الموسم، فيما يعتبره الفلسطينيون إجازة، أو "شطحة" سعيدة ممتعة، كما كان يقال عنه.
ومن طرائف ما جاء حول تعلق الفلسطينيين بالموسم، أنه كان يروى عن نساء يافا، قول الواحدة منهن لزوجها في الإلحاح عليه للمشاركة في هذا الموسم: "يا بِتْروبِنّي يا بتطلقني".
ولا حاجة للتذكير بأن الصلوات والمراسم الدينية لم تكن تستغرق إلا جزءاً يسيراً من وقت الناس، مما كان يتيح لهم متسعًا من الوقت لممارسة الألعاب وركوب الأراجيح وذبح الذبائح، في مهرجان حافل يشترك فيه المسلمون والمسيحيون دون تمييز، يقول أبو ريا.
ومنذ القرن السابع عشر الميلادي، كان يؤم المقام سكان يافا واللد والرملة والقرى المحيطة بها صيفاً (في آب وأيلول) من كل سنة، حيث تُنْصَبُ الخيام والمعرشات ويزورون المقام ويؤدون الصلاة في المسجد الملاصق له .
ويشير إلى أن إدارة الأوقاف كانت تقوم على تأمين الماء اللازم للناس، كما أن الموسم كان فرصة للسقائين لنقل الماء للزائرين وبيعه لهم.
انتهى ببداية الاحتلال
وفي موسم النبي روبين، كانت تقام المسارح والأراجيح وسباقات الخيل إضافة إلى نشاطات أدبية وفنية متعددة، وحلقات المصارعة، حيث يتقدم أحد المصارعين من إحدى القرى ويتحدّى المصارعين من القرى الأخرى، ويعقد الحضور مراهنات على الفائز.
وكان يحضر الموسم في بعض السنين شخصيات سياسية وفنية وإعلامية، وكان فرصة لبعض العائلات للاجتماع للزفاف والطهور وحلاقة شعر الأولاد لأول مرة، وفيه كان يقوم بعض الباعة ببيع حلاوة صلبة نوعاً ما، بيضاء اللون وطيبة الطعم.
ويقول أبو ريا، إن موسم النبي روبين كان قد بدأ بنمط آخر في القرن الثالث عشر الميلادي، خلال فترة حكم المماليك الذين أقاموا جامعاً ونقاط مراقبة متعددة على طوال الساحل خوفاً من تجدد الحملات الصليبية.
وكان يصل عدد من يؤم الموسم سنوياً إلى ثلاثين ألفاً، لكن هذا "الكرنفال" السنوي، أقلق الإنجليز ثم الاحتلال الإسرائيلي، فقاموا بمنعه ابتداءاً من سنة 1936 – 1939م حيث فرضوا حظراً على مثل هذه التجمعات خوفاً من أن تتحول إلى نشاطات مقاومة للانتداب.