أربعة أشهر وأبناء نابلس وفلسطين يتغنون بأناشيد عرين الأسود ويرددون معها عبارة "يابو حمدي المجروح عزماتك ما نسينا" إلى أن استشهد أبو حمدي تاركًا خلفه جيشًا من المحبين على امتداد الوطن والعالم.
وارتقى محمد حرز الله، المشهور بين أصدقائه وأبناء مدينته بكنية "أبو حمدي"، شهيدًا مساء الثالث والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني على سرير المستشفى متأثرًا بجراحه الخطيرة التي لازمته منذ معركة "حارة الياسمينة".
ففي تلك المعركة التي دارت راحاها فجر يوم الرابع والعشرين من يوليو/ تموز الماضي، كان أبو حمدي أول المشتبكين مع القوات الإسرائيلية الخاصة، في محاولة لكسر الحصار عن رفاقه المقاومين داخل منزل في حارة الياسمينة.
بمجرد أن سمع أبو حمدي أصوات الاشتباكات، امتشق سلاحه وغادر منزله بحارة القريون وانطلق إلى حارة الياسمينة، واشتبك مع القوات الخاصة قبل أن تصيبه رصاصة قناص برأسه ليسقط جريحا.
كانت إصابة "أبو حمدي" حرجة للغاية، وسرت إشاعات عن استشهاده ليكون أول من أعلن عن استشهاده في تلك الليلة، لكن القدر أبقاه أربعة أشهر قبل أن يلتحق برفيقيه الشهيدين محمد العزيزي وعبد الرحمن صبح.
فخر وعزة
وتشعر والدة الشهيد حرز الله بالفخر كونها والدة شهيد، وقالت لوكالة "صفا": "أشعر بكرامة وعزة كبيرة أن ابني شهيد".
وتضيف "أبو حمدي ابن فلسطين كلها.. والكل أحبه والكل حزن عليه".
وتشير إلى التفاف الناس حولهم مع إعلان استشهاد ابنها وما أبدوه من محبة صادقة له، أنزل السكينة على قلوبهم وبدل حزنهم فرحا.
ولا تكف والدته عن الترحم عليه والدعاء له بالرحمة والقبول، وقالت: "خرج ليفدي أصحابه ويفدي الوطن كله، ومن محبته لأصحابه لم يستطع أن يتحمل وجودهم تحت الحصار دون أن يتحرك لنجدتهم".
وقبل عام من استشهاده، أجريت له عملية جراحية بالمستشفى، وعندما بدأ يصحو من التخدير كان يتمتم بآية "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبة ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا".
وتقول والدته: "كان قلبه معلقًا بالشهادة، وقبل إصابته بأسبوع قلت له نريد أن نزوجك ونفرح بك، لكنه قال لي أنا يا إمي مشروعي ليس مشروع زواج، أنا مشروعي شهادة وحسب، وأحلى مشوار هو أن أزف من مستشفى رفيديا إلى مسجد الحاج نمر للصلاة عليّ".
وتحمّل أبو حمدي الكثير من المشقة خلال رحلة علاجه التي كانت استمراراً لجهاده.
وأجريت له خلالها 12 عملية جراحية ومكث شهرين في العناية المكثفة قبل أن يستعيد وعيه، ثم نقل إلى مستشفى بيت جالا للتأهيل، لكن وضعه تراجع كثيرًا، فنقل إلى المستشفى الاستشاري برام الله وفاضت روحه هناك.
ولم يكن قادرًا على النطق بسبب الإصابة، وعندما وضع في سيارة الإسعاف لنقله إلى بيت جالا، نزلت دموعه بحرقة فقد أحس بأنه يغادر مدينته وحارته التي يحبها كثيرًا.
وحظي "أبو حمدي" بزفات عديدة بدأت في المستشفى الاستشاري، ثم في بلدة بير زيت، وعند وصول موكبه إلى حاجز حوارة جنوب نابلس كان الآلاف بانتظاره، وكان أضعافهم في دوار الشهداء والبلدة القديمة.
أسامة حرز الله شقيق أبو حمدي، كان إلى جانب شقيقه يبث فيه العزيمة ويقول له: "أنت واجهت "اليمام" وبالتالي أنت قادر على اجتياز هذه الإصابة بإذن الله".
ويؤكد أسامة لوكالة "صفا" أن شقيقه أصبح حالة وطنية، "هو ليس شقيقي وحدي بل شقيق كل حر وشريف في هذا الوطن".
ويختم قائلا: "من كرم الله وفضله أن اتخذ منا شهيدا، فقد كان أسيرا ثم جريحا ثم شهيدا".