الشهيد محمد صوف.. معيل الأيتام وفدائي مقدام

سلفيت - خاص صفا

حتى قبل أن تُعرف هويته، أثار الشهيد محمد مراد صوف دهشة كل من شاهدوا مقاطع الفيديو المصورة له وهو ينقض على المستوطنين بسكينه ويتنقل من مكان لآخر بكل رشاقة وشجاعة قبل أن يرتقي شهيدا.

والشهيد صوف ابن الـ19 عاما من بلدة حارس شمال غرب سلفيت شمال الضفة الغربية المحتلة، اختارته الأقدار ليكون المعيل الوحيد لعائلته بعد وفاة والده، واختار هو أن يختم حياته شهيدًا بعملية فدائية سيخلدها التاريخ.

واستشهد محمد بعد أن نفذ عملية طعن ودهس قرب مستوطنة "أرئيل" الجاثمة على أراضي شمال سلفيت، فأوقع ثلاثة قتلى ومثلهم جرحى من المستوطنين.

العملية النوعية التي نفذها محمد أحدثت صدمة في أوساط الاحتلال ومستوطنيه وتركتهم في تخبط وجعلتهم يعتقدون لفترة من الوقت أنهم أمام عملية مزدوجة نفذها فدائيان فلسطينيان بمكانين مختلفين.

وبلوعة الأم تحدثت والدته عن ابنها الذي غادر بيته جسدًا لكن روحه بقيت حاضرة بينهم، وقالت لوكالة "صفا": "الله يرضى عليه، ترك المدرسة ليعيلنا بعدما توفي أبوه، وكان مسؤولا عن كل مصاريف البيت".

عندما توفي والده، كان محمد طالبًا في الصف العاشر، فقرر ترك المدرسة ليلتحق بسوق العمل ليعيل أمه وإخوته السبعة وأكبرهم سامي الذي يدرس القانون بجامعة النجاح وهو الآن على أبواب التخرج.

وكان محمد يستعد ليحتفل بتخرج شقيقه من الجامعة، ويقول لأمه: "عندما يتخرج سامي سأقيم له أحلى حفلة".

عمل محمد في البداية في مستوطنة "بركان" الصناعية ثم انتقل للعمل في مصنع للمنظفات بمستوطنة "أريئيل" الصناعية، لكن ذلك لم يُعمِ عينيه عن حقيقة هذه المستوطنات التي تجثم وتتمدد على أرضه.

وفي اليوم السابق لاستشهاده، استلم راتبه وعاد لأمه محملاً بالكثير من الخضار والفواكه والمواد التموينية.

وتقول والدته: "سألته لماذا كل هذه الأغراض ونحن لا ينقصنا شيء؟ فقال لي أريدك أن تطبيخي لي مقلوبة".

عُرف محمد بين أهل قريته وكل من عرفه بحسن أخلاقه وارتياده للمسجد وصيامه للنوافل.

وتقول والدته: "كانت حياته من الجامع إلى البيت ومن البيت إلى العمل، ولم يكن لديه وقت للهو باستثناء ما يقضيه من وقت عندما يزوره أصدقاؤه في البيت".

وتضيف "كان حُلُمي أن ابني له بيتًا وأزوجه وأفرح به، لكنه كان يريد شيئا آخر فقد اختار الشهادة ونالها".

وداع صامت

في يوم استشهاده، صلى الفجر وتناول فطوره، ولبس أحلى الثياب، وقبل خروجه من البيت تحاشى أن يلفت انتباه أمه لما يدور في خلده، لكنه أوصاها بالاهتمام بأخيه سامي ودراسته، وكأنه أراد أن ينقل إليه مسؤولية العائلة من بعده.

وقبل الانطلاق لتنفيذ العملية، توجه لزيارة بيت جده وتناول كوب شاي مع جدته التي أبدت له استغرابها لتأخره عن موعد العمل، لكنه تذرع بتقليص ساعات العمل بالمصنع بسبب ضعف الإنتاج، ثم خرج ليستقل مركبة كانت تنتظره.

وتقول جدته لوكالة "صفا": "بعد ساعة سمعنا أصوات مركبات الإسعاف على الشارع الرئيس دون أن نعلم ما يجري".

وتضيف "عندما انتشر مقطع الفيديو للحظة تنفيذ العملية وإطلاق النار عليه وسقوطه على الأرض، قلت هذا محمد، عرفته من بلوزته البيضاء وحذائه الجديد وتسريحة شعره وذقنه".

حبست جدته دموعها وهي تتحدث عنه، وقالت: "محمد من خيرة شباب البلد، والكل يحبه ويحترمه لطيبة قلبه وصفاء سريرته".

م ت/غ ك

/ تعليق عبر الفيس بوك

استمرار "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة