رغم مرور أربع سنوات على استشهاد القائد في كتائب الشهيد عز الدين القسام نور الدين بركة وثلة من المقاومين، بعد اكتشاف قوة إسرائيلية خاصة شرقي خان يونس جنوبي قطاع غزة؛ إلا أن ذاك العمل البطولي، وما أعقبه من معركةٍ أطلق عليها "حد السيف" لم يغب عن ذاكرة من عايشوا الحدث أو سمعوا عنه، ولا عن "إسرائيل"، التي تلقت ضربة كُبرى.
وفي مساء الحادي عشر من نوفمبر/ تشرين ثاني عام 2018، اكتشف الشهيد بركة ومرافقيه قوةً إسرائيليةً خاصة بلباسٍ مدني داخل مركبة بالمنطقة الشرقية للمحافظة، وبعد التحقيق معها، وشعور أفرادها بالخطر، بادرت بإطلاق النار، فوقع اشتباك مع عناصر القسام، ما أدى لارتقاء عدد من المقاومين، ومقتل مسؤول القوة وإيقاع خسائر بشرية ومادية فيها؛ قبل أن يتم إنقاذهم تحت غطاء جوي هائل.
فخر بالشهادة
وعن تلك اللحظات، يقول سيف الدين بركة، شقيق الشهيد نور، لمراسل "صفا" إنه: "في قرابة الساعة التاسعة مساءً سمعت صوت إسعافات في بلدتنا بني سهيلا، فاتصلت بعدد من الأصدقاء في المقاومة للاستعلام، فأخبروني بإطلاق مجهولين النار صوب عدد من رجال المقاومة بينهم أخي نور الذي أصيب حينها، فتوجهت على الفور للمستشفى الأوروبي ووجدته شهيدًا بعد إصابته بأربع طلقات".
ويضيف بركة "تقبلت استشهاده بكل فخر واعتزاز، ولم أكن أعلم بأن من أطلق عليه النار هي قوة إسرائيلية خاصة، لحين بدأ القصف الجوي الإسرائيلي العنيف، بهدف إخراج القوة التي قتل وأصيب عدد من عناصرها؛ ما جعلني أزدادُ فخرًا بأخي الزاهد العابد المجاهد، الذي تشهد له كافة الميادين منذ التحاقه في القسام علم 2003".
ويتابع "فخرنا بأخي ينبع من إدراكنا بما قام به من كشف لهذه القوة التي تعتبر من نخبة النخبة في جيش الاحتلال، وأن اكتشافها منع ضررًا كبيرًا بالمقاومة وعمل خطير ضدّها، وحقن دماء مئات المجاهدين، وكشف التحركات والخطط وغيرها؛ فالله سخر نور كي يمنع وقوع كارثة ويمرغ أنف الكيان بالتراب".
الصلاة الأخيرة
أما "أبو فريد"، أحد السكان القريبين من مكان الحدث، فيقول لمراسل وكالة "صفا": "صلي الشهيد نور العشاء بجواري في مسجد إسماعيل أبو شنب ببلدة بني سهيلا، القريب لمكان اكتشاف القوة، وبعدما عدت للمنزل بفترة وجيزة أخبروني باستشهاده فلم أصدق".
ويضيف "توجهت إلى مكان الحدث فوجدت تجمعًا كبيرًا للمواطنين، وطلب مقاومون منا الابتعاد عن المكان خشية قصفه؛ وما هي سوى دقائق حتى بدأ قصف جوي مكثف، لم يسبق له مثيل من شدته وحجمه، فلم نستطع التحرك؛ وارتقى على إثر ذلك عدد من المقاومين، الذين لاحقوا القوات".
علامة فارقة
بدوره، يقول القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بخان يونس حماد الرقب، الذي يعرف الشهيد بركة عن قرب، لمراسل وكالة "صفا"، إن: "الشهيد نور كان نورًا ورافعة للدين وللمقاومة، بعد أن اكتُشف وحدة (سييرت متكال) على يده، بفراسته وذكائه وحسه الأمني العالي؛ ليصبح بعد ذلك قدوةً للشباب الفلسطيني المقاوم، ومن معه من كوكبة الشهداء والجرحى الذين ارتقوا خلال الحدث وفي معركة حد السيف".
ويؤكد الرقب أن "هذا الحدث شكل علامة فارقة في جهاد شعبنا، امتد فيما بعد لاشتباك عسكري قوي؛ ومن ثم إلى معركة يُضرب فيها المثل سُميت (حد السيف) التي ضربت فيها المقاومة المدن المحتلة".
ويشير إلى أن "هذه العملية النوعية والمعركة تلتها تبعات كثيرة، منها إرباك الساحة الإسرائيلية، وإجراء انتخابات داخلية؛ والأعظم من ذلك التحاق شعبنا في صفوف المقاومة خاصة في الضفة التي نرى ثمارها اليوم، أمثال عُدّي التميمي وعرين الأسود وكتيبة جنين وبلاطة وغيرها".
ويرى الرقب أن "كل هذه المشاهد تؤكد أن المقاومة حيّة ولن تموت؛ وكلما دفعت بالتضحية وبذل الدم قويت أكثر؛ التاريخ سجّل أن ما بعد العملية ليس كما قبلها، والصفعة التي تلقاها الكيان الإسرائيلي تُشكل رافعة لجهاد شعبنا الذي يتراكم يومًا بعد يوم وصولاً للمعركة الفاصلة والتي سيتم فيها تحرير أقصانا وأرضنا".
كنز استخباري
وكانت القسام أكدت أنها استولت على أجهزة تقنية تحوي "كنزا استخباريا" تركتها القوة التي ضمت 15 إسرائيليًا، وتسللت عبر السياج الحدودي تحت ستار الضباب.
وهدفت العملية، وفق الكتائب، لزرع أجهزة تجسس على اتصالات المقاومة، "حيث تلقت القوة الإسرائيلية الخاصة تدريبات على العملية لأكثر من عشرة أشهر".
وأدخل الاحتلال الإسرائيلي المعدات الخاصة بالعملية والإمدادات اللوجستية للقوة الخاصة عبر معبر "كرم أبو سالم" جنوبي القطاع.
وكشفت القسام حينها أن نفس القوة الإسرائيلية نفذت عمليات مشابهة في مناطق عربية.
واستخدمت القوة المتسللة هويات شخصية مزورة بأسماء أسر حقيقية من قطاع غزة وأوراقا مزورة لجمعية خيرية، وكانت عضوة في هذه الوحدة ترددت على غزة تحت غطاء مؤسسة خيرية دولية.
وإسرائيليًا، تسبب فشل مهمة القوة باستقالة قائد العمليات الخاصة في شعبة الاستخبارات العسكرية بالجيش الإسرائيلي.
وأطلقت القسام بعد اكتشاف القوة معركة "حد السيف"، التي ضربت خلالها المدن المحتلة بالمئات من الصواريخ، التي أدخلت بعضها إلى الخدمة لأول مرة، فيما اعترف الاحتلال بمقتل 3 إسرائيليين وإصابة أكثر من 100 آخرين.