في بقعةٍ صغيرةٍ شمال غربي مدينة القدس المحتلة، وعلى مساحة ثلاثة آلاف دونم، تقع قرية بيت إجزا، التي التهم جدار الفصل العنصري والاستيطان مئات الدونمات الزراعية من أراضيها، وحرم سكانها الاستفادة منها، وقطع علاقتها التاريخية والحضارية مع المدينة المقدسة، وعزلها عن عمقها التاريخي والاجتماعي والاقتصادي.
معظم أراضي القرية تقع في المنطقة "ج" حسب ملحقات اتفاق أوسلو، وتبعد عن مدينة القدس 11 كيلومترًا، تمنع سلطات الاحتلال سكانها الفلسطينيين من إقامة بنى تحتية فيها، وصادرت 168 دونمًا من أراضيها لإقامة مستوطنتي "جفعات زئيف"، و"جفعون حداشا"، اللتين يقطنهما 12 ألف مستوطن.
ويمتد الجدار العنصري على طول 2 كيلومتر بأراضي بيت إجزا، ويفصل 980 دونمًا من أراضيها من جهتها الشرقية، ويمنع سكانها من الوصول إليها إلا بتصاريح خاصة صادرة عن مكتب الارتباط والتنسيق الإسرائيلي في المنطقة.
وحرم الجدار سكانها من الاتصال بالمدينة المقدسة، ما جعلها مرتبطة بمدينة رام الله اقتصاديًا واجتماعيًا، إلا أن سلطات الاحتلال منعتهم من السفر إلى رام الله على الطريق الرئيس رقم (443)، ما اضطرهم لاجتياز طرق بديلة وعرة وملتوية تفتقر للبنية التحتية.
هذه المعاناة دفعت الكثير من المواطنين في بيت إجزا والقرى المجاورة، للهجرة إلى رام الله، لتفادي معيقات الاحتلال التي غالبًا ما تسببت في تأخير وصولهم إلى أماكن عملهم.
وشكّل عزل بيت إجزا عن مدينة القدس محطة بارزة في سياق استهداف الاحتلال للزراعة، نظرًا لأن المدينة المحتلة كانت تشكل تاريخيًا المركز الاقتصادي لريفها من ناحية الاستهلاك.
استهداف ممنهج
وتتعرض بيت إجزا لاعتداءات ممنهجة من قوات الاحتلال والمستوطنين، بهدف تضييق الخناق على سكانها وطردهم من أراضيهم، كما يقول رئيس مجلس قروي بيت إجزا محمد مرعي لوكالة "صفا".
ويوضح مرعي أن سلطات الاحتلال تتعمد استهداف القرية وسكانها يوميًا، من خلال الاقتحامات والمداهمات للمنازل، والاعتداء على الأراضي، ومصادرتها لصالح الاستيطان.
ويشير إلى أن القرية تقع في منطقة التماس، لذلك يستهدفها الاحتلال بشكل ممنهج ومتواصل، ويقمع أي فعالية أو نشاط يُقام فيها.
ويجد مزارعو بيت إجزا صعوبة في الوصول لأراضيهم لحراثتها وزراعتها، وقطف ثمار الزيتون داخل الجدار العنصري، بسبب إجراءات الاحتلال، وتحديده ساعات الدخول والخروج لتلك الأراضي.
وبهذا الصدد، يبين مرعي أن المزارعين يعانون أوضاعًا صعبة، بفعل إجراءات الاحتلال المشددة، وضرورة حصولهم على تصاريح خاصة للوصول إلى أراضيهم، وعبور البوابات العسكرية التي أقيمت لهذا الغرض.
ويقتصر الدخول للأراضي المعزولة خلف الجدار فقط على المزارعين القادرين على إثبات ملكيتهم للأراضي لدى ما تسمى "الإدارة المدنية" الإسرائيلية، وعادةً ما يتم إصدار التصاريح لكبار السن، والتي تندرج أسماؤهم في صكوك الملكية العقارية.
ويضيف أن سلطات الاحتلال وفي كثير من الأحيان، وخصوصًا في مواسم الحصاد، ترفض فتح البوابات العسكرية وتمنع وصول المزارعين إلى أراضيهم، تحت حجج أمنية.
ووفقًا لرئيس المجلس القروي، فإن الأحداث في القرية تصاعدت منذ استشهاد الشاب محمد أبو كافية برصاص جنود الاحتلال قرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة في 24 أيلول/ سبتمبر الماضي، حتى باتت تشهد يوميًا مواجهات مع الاحتلال، وعمليات اقتحام مستمرة.
وما يثير إزعاج المواطنين وغضبهم، إطلاق قوات الاحتلال قنابل الغاز المسيل للدموع باتجاه المنازل يوميًا، ما يؤثر على صحة المرضى وكبار السن، ويُثير الخوف في صفوف الأطفال.
ومؤخرًا، قمعت قوات الاحتلال وقفة تضامنية للمطالبة باسترداد جثامين الشهداء المحتجزة لدى الاحتلال، وأطلقت قنابل الغاز والصوت والرصاص المطاطي تجاه الشبان، الذين تصدوا بإلقاء الحجارة.
وفي بيت إجزا مدرستان حكوميتان للتعليم الأساسي والثانوي، فيهما 22 فصلًا دراسيًا، وروضتين للأطفال، ولا يتوفر فيها أي مركز صحي ويتوجه مرضاها إلى مركز الهلال الأحمر الفلسطيني أو مركز الكرمل في بلدة بدو المجاورة، أو مركز الزاوية في بيت سوريك.
وتعاني القرية نقصًا حادًا بالمياه خلال فصل الصيف، لاعتمادها في توريد المياه على شركة "ميكوروت" الإسرائيلية، وأيضًا تفتقر إلى شبكة صرف صحي ويستخدم سكانها الحفر الامتصاصية.
أوضاع صعبة
أما أمين سر منطقة بيت إجزا محمد أبو كافية فيقول لوكالة "صفا" إن المواطنين في القرية يعانون أوضاعًا صعبة، نتيجة الجدار العازل وحواجز الاحتلال، التي تعيق وصولهم إلى أماكن عملهم في مدينة رام الله والمناطق الفلسطينية الأخرى.
ويشير إلى أن الجدار التهم نصف أراضي القرية، وأصبح وصول المزارعين لأراضيهم بحاجة إلى تنسيق وتصريح مسبق من جيش الاحتلال، قد يأخذ إصداره وقتًا يمتد لشهرين أو أكثر، ما يضاعف معاناتهم، وخاصة في موسم قصف الزيتون.
ويوضح أن معاناة الأهالي لم تتوقف عند ذلك، بل دائمًا ما تقتحم قوات الاحتلال القرية وتتواجد في شوارعها، وتستفزهم، ما يؤدي لاندلاع مواجهات، يتخللها اعتقالات.
ويطالب أبو كافية الجهات المعنية كافة بالتدخل العاجل لوقف انتهاكات الاحتلال وإجراءاته بحق القرية وأهلها، والتخفيف من معاناتهم على الحواجز العسكرية، وأيضًا السماح للمزارعين بالوصول لأراضيهم دون أية قيود.