لا تكاد تمر ليلة، دون أن تقتحم شرطة الاحتلال الإسرائيلي حي بئر أيوب في بلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى المبارك، وتُمطر منازل سكانه بقنابل الغاز المسيل للدموع، مما يُحول حياتهم إلى كابوس، بفعل تصاعد الاعتداءات والإجراءات الاحتلالية العنصرية.
وتنتشر شرطة الاحتلال صباحًا ومساءً، بين أزقة الحي وفي شوارعه، وسط استفزازات للسكان والشبان، وتندلع على أثر ذلك مواجهات يتخللها إطلاق جنود الاحتلال قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع بشكل مكثف تجاه منازل المقدسيين وممتلكاتهم، إلا أن الشبان يتصدون بإلقاء الحجارة والمفرقعات النارية باتجاه القوات المقتحمة.
وبئر أيوب واحد من 12 حيًا في بلدة سلوان، تُعد من أكبر البلدات الفلسطينية مساحة وأقدمها وأكثرها قربا من المسجد الأقصى، إذ لا يفصل بين مدخلها الشمالي حي وادي حلوة، والمسجد إلا سور القدس الجنوبي المحاذي للحي.
وتتمتع بلدة سلوان بسمة دينية مميزة، ففيها عين سلوان وبئر أيوب، وتقول كتب السيرة عن بئر أيوب إن الملائكة حفرتها إكرامًا للنبي أيوب، إذ يبلغ طول البئر 80 ذراعًا، وعرضه أربعة أذرع، وهو مبني بحجارة عظيمة لا يمكن للإنسان أن يحملها أو ينقلها.
وكان سكان سلوان والقرى والمدن المجاورة يعتمدون على البئر للتزود بمياه الشرب، قبل أن يجففها الاحتلال الإسرائيلي ويحول مياهها إلى منطقة النبي داود لمصلحة اليهود فقط.
هجمة شرسة
عضو لجنة الدفاع عن أراضي القدس صالح الشويكي يقول لوكالة "صفا" إن الحي يتعرض لهجمة إسرائيلية شرسة تطال البشر والشجر والحجر، في محاولة لترهيب الأهالي، وكسر إرادتهم في مواجهة اعتداءات الاحتلال.
ويوضح أن الاعتداءات الإسرائيلية تشمل اقتحامات ومداهمات ليلية لمنازل المقدسيين، واعتقالات، وعمليات تنكيل واستفزازات، بالإضافة لعمليات الهدم والتهجير القسري، ومحاولات الاستيلاء على منازلهم لصالح المستوطنين.
ومع ساعات الفجر، يستيقظ سكان الحي على أصوات قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع، والتي تخترق منازلهم، ما يُسفر عن إصابات بالاختناق في صفوف النساء والأطفال، الذين يعيشون في حالة خوف ورعب شديدة، تحرمهم النوم بأمان واستقرار.
ويتعرض حي بئر أيوب إلى محاولات استيطانية لا تتوقف، بغية تهويده وإقامة مبان عامة ومراكز جماهيرية وسياحية لصالح المستوطنين، على حساب أراضي المقدسيين وممتلكاتهم الخاصة.
ويرجع شويكي استمرار الاعتداءات على الحي لقربه من حي وادي الربابة، الذي تسعى سلطات الاحتلال للاستيلاء على أراضيه البالغ مساحتها ما يزيد عن 200 دونم.
ويؤكد أن الاحتلال فشل في الاستيلاء على منازل المقدسيين بالحي وتسريبها للمستوطنين، لذلك يُحاول الانتقام من سكانه بالوسائل كافة، لكنه لن ينال من صمودهم وثباتهم ومقاومتهم.
ويضيف أن سلطات الاحتلال تريد اختراق الحي والاستيلاء على منازله، نظرًا لقربه من المسجد الأقصى، إذ لا يبعد عنه سوى 500 متر، وهناك محاولات للسيطرة على بعض البيوت وفقًا لقانون "أملاك الغائبين" وغيرها من القوانين العنصرية.
ويمتد حي بئر أيوب على مساحة 40 دونمًا، يسكنه نحو 5 آلاف نسمة، وهو ملاصق لحي البستان شمالًا وحي عين اللوزة جنوبًا.
سيطرة على الحي
ويقول عضو لجنة الدفاع عن أراضي سلوان فخري أبو دياب لوكالة "صفا" إن الحي يشهد دائمًا مواجهات مع قوات الاحتلال، كونه يُشكل درعًا حاميًا للمسجد الأقصى، وبعض أحياء سلوان الأخرى.
ويوضح أن الاحتلال يستهدف الحي وسكانه بشكل متواصل، كي يتمكن من دخول أحياء عين اللوزة والبستان ووادي الربابة وبطن الهوى، ويُنفذ اعتقالاته وممارساته ضد المقدسيين.
ويعتبر حي بئر أيوب من أكثر الأحياء المقدسية استهدافًا بكاميرات المراقبة، بغية رصد تحركات أهله الذي يتصدون لقوات الاحتلال خلال اقتحامها الحي، وبهدف تخويفهم ومراقبتهم على مدار الساعة.
وخلال مواجهات سابقة مع قوات الاحتلال، تمكن الشبان من إحراق كاميرات المراقبة في الحي، وإزالتها أيضًا.
ويشير أبو دياب إلى أن سلطات الاحتلال لا تسمح لأهالي الحي بالبناء في أراضيهم إطلاقًا، كما أن غالبية المنازل مهددة بالهدم والتهجير القسري، رغم هدم العشرات خلال العشرة أعوام السابقة، بحجة البناء دون ترخيص.
ويؤكد أن الاحتلال يسعى لطرد الأهالي واختراق الحي والسيطرة عليه، كونه المدخل الوحيد لحي بطن الهوى، ويمهد للاستيلاء عليه، ومحاصرة حي البستان، وأيضًا يحاول إقامة مقر للمؤسسات الإسرائيلية الرسمية بالحي، في محاولة لوضع اليد على أراضيه.
ويعد مسجد النبي أيوب، الوحيد بالحي من أقدم المساجد في القدس المحتلة، ويعود بناؤه للفترة الأيوبية، ولم يسلم من اعتداءات الاحتلال وأوامر الهدم، وعدم الترميم، إلا أن الأهالي يعمُرونه باستمرار حتى لا يكون فريسة بيد الاحتلال والمستوطنين.