في أعلى منطقة استراتيجية تطل على البلدة القديمة في القدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك، وتحديدًا بالزاوية الجنوبية الغربية من قلعة القدس التاريخية الشامخة، ذات المعلم الأثري، تقع مئذنة القلعة، بشموخها وجمال بنائها وطرازها المعماري العريق، والذي يحاول الاحتلال الإسرائيلي تهويدها وطمس معالمها تحت غطاء "الترميم".
المئذنة التاريخية أنشأها السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون عام 1310، ورممها السلطان العثماني سليمان القانوني سنة 938هـ/1532م، ثم جُددت عام 1655، في عهد السلطان العثماني محمد الرابع.
وتتكون المئذنة من ثلاثة طوابق حجرية، يُشكل أولها قاعدتها المربعة، ويقوم فوقه الطابق الثاني أسطواني الشكل، ومن ثم الطابق الثالث، الذي يعد الأصغر حجمًا من الطابق الثاني، ويتوسط منتصفه بناء صغير، يُشكل طاقية المئذنة.
وبعد احتلال القدس عام 1967، سقطت القلعة بيد الاحتلال، وبدأ عمليات حفريات واسعة تخللها تدمير جزء منها وعدد كبير من الآثار الإسلامية العريقة فيها.
وفي عام 1980 حولها ومسجدها إلى متحف تهويدي باسم "متحف قلعة داوود"، يحكي قصة "الهيكل" المزعوم، ويتم تقديم تاريخ القدس، عبر أحدث الوسائل الإلكترونية من وجهة نظر أيديولوجية إسرائيلية.
ويُعد مسجد القلعة من أجمل مساجد القدس الواقعة خارج سور المسجد الأقصى، وأتقنها عمارة، تبلغ مساحته 144 مترًا مربعًا، وارتفاعه من الداخل يصل حوالي 6 أمتار، وبجانبه مئذنة قديمة تعود للفترة العثمانية.
ويتكون من بيت للصلاة يتم الوصول إليه عبر مدخل شرقي صغير الحجم نسبيًا، مسقوف بطريقة القبو البرميلي، وفيه محراب بديع المنظر ومزخرف، عبارة عن حنية حجرية متوجة بطاقية يتقدمها عقد ترتكز أرجله على عمودين قائمين على جانبي المحراب.
وتكتسب المئذنة التي يمنع رفع الآذان فيها مكانة رمزية كبيرة، لا يستطع أحد إغفالها، حتى إدارة المتحف داخل القلعة تشير في الكتيب التعريفي بالمتحف بأنّ القلعة "عبر مئذنتها الشامخة هي رمز الحنين والشوق لهذه المدينة المقدسة.. بهذا المكان تواصلت الحياة خلال آلاف السنين".
مكانة تاريخية
ويسعى الاحتلال إلى تهويد مئذنة القلعة تحت غطاء "الترميم"، إذ يواصل العمل فيها، نظرًا لموقعها الاستراتيجي ومكانتها الأثرية والتاريخية، وفق الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب
ويستطيع الزائر لمدينة القدس أن يُشاهد من خلالها كل البلدة القديمة ومحيط المدينة المقدسة، والمعالم والآثار التاريخية الشاهدة على إسلامية وعروبة المدينة.
ويوضح أبو دياب في حديث لوكالة "صفا" أن الاحتلال يواصل منذ عدة شهور، العمل على تهويد المئذنة، وتغيير معالمها وهويتها الإسلامية والعربية، ومحو أي أثر يدلل على عروبتها وحضارتها العريقة.
ويضيف أن محاولات الاحتلال لتغيير المشهد في القدس، لم تتوقف منذ احتلالها، لكنها تصاعدت بعد عام 2000، وبات يعمل بشكل حثيث على تغيير الوجه الحضاري للمئذنة وتشويه معالمها، كما يجري في منطقة باب الخليل الذي يعد من أهم وأجمل أبواب سور المدينة، بعد باب العامود.
ويشير إلى الحفريات التي تحريها "سلطة الآثار" الإسرائيلية أسفل قلعة القدس، والتي قطعت شوطًا كبيرًا فيها، بغية طمس الإرث الحضاري للقلعة، وتزييف تاريخها واستخدامها كممرات لليهود والزوار، من أجل غسل أدمغتهم وتمرير روايات مضللة لا تمت لواقع المدينة بأي صلة.
وفوق الأرض، ما يزال الاحتلال يعمل على تهويد المئذنة، لما تُجسده من معلم تاريخي بارز، ذات طراز ونقوش إسلامية، يُحاكى الفترات المملوكية والعثمانية والإسلامية، ويُجسد هوية المدينة الحقيقية.
طابع يهودي
ولكونه المعلم الشاهد على الحضارة العربية والإسلامية في القدس القديمة، تسعى مؤسسات احتلالية متمثلة في (سلطة الآثار، بلدية الاحتلال وجمعيات استيطانية) لتحويلها إلى نقوش وإرث يهودي مغاير تمامًا لطابعها العربي والإسلامي، كما يؤكد أبو دياب
ويتعمد الاحتلال تجاهل الحقائق التي تُدلل على إسلامية وعروبة القدس، ويُشوهها بهدف زرع الرواية التوراتية في عقول الزائرين اليهود والسياح وغسل أدمغتهم.
وتشكل مئذنة القلعة نقطة مراقبة يستخدمها جنود الاحتلال لمراقبة المدينة المقدسة وبلدتها القديمة، وكل من يزورها، لأنها تقع بأعلى منطقة في البلدة.
ويقول الباحث المقدسي، "إن الاحتلال يدعي الترميم، لكن في الحقيقة هذه عمليات تهويد تُغير المعلم وتطمس هويته، وتُزور تاريخه، وتشوه طرازه المعماري والإرث الحضاري، وربما هناك محاولة لوضع نقوش معينة وبصمات يهودية".
ولا يسمح الاحتلال للمقدسيين باستخدام مسجد القلعة أو الاقتراب منه والوصول إليه، بل يسمح فقط للمختصين الإسرائيليين التابعين للمؤسسات العاملة على تهويده.
ورغم محاولات التهويد والطمس، إلا أن قلعة القدس بمئذنتها الشامخة وأسوارها العالية تتحدى بصمودها وبقاءها تزييفها وتشويه تاريخها وهويتها وحضارتها العريقة.