أهمية موقعه الاستراتيجي وقربه من المسجد الأقصى المبارك وإطلالته الساحرة على مسجد قبة الصخرة المشرفة، جعله محل أطماع الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، ومساعيهم لتحويله إلى كنيس يهودي مسقوف، لأداء صلواتهم وطقوسهم التلمودية.
إنه "سوق القطانين" أحد وأضخم أسواق البلدة القديمة بالقدس المحتلة وأجملها، يعود بناؤه للعهد المملوكي، ويمتد من طريق الواد غربًا حتى المسجد الأقصى شرقًا، ويتوسط السور الغربي بين باب الحديد شمالًا وباب المطهرة جنوبًا.
وتصطف على جانبيه عشرات المحلات التجارية والدكاكين الصغيرة المتشابهة والمتقابلة، يفصل بينهما ممر مسقوف على شكل قبو نصف برميلي محمول على ثلاثين عقدًا مدببة تتخللها فتحات تسمح بالإضاءة والتهوية.
والممر الملاصق للباب المؤدي للأقصى مباشرة مسقوف بطريقة الأقبية المتقاطعة، تتزين بعض فتحات سقفه بالحنيات المجوفة والمقببة التي تتدلى منها "مُقرنصات" بديعة الصنع، فضلًا عن تخصيص فتحة أو أكثر لكل دكان لتهويتها وإضاءتها.
وما يميز أسواق القدس بشكل عام، بهاء قبابها وبديع مناظرها وزخارفها وطرازها المعماري الذي يُبهر كل من يُشاهدها، تضم بين جنباتها محلات تجارية، تعد العمود الفقري لاقتصاد المدينة، وتمثل جزءًا أصيلًا من هويتها وتاريخها العريق.
وعلى مدار سنوات الاحتلال، لم تسلم الأسواق من الاعتداءات الإسرائيلية، ومحاولات السيطرة عليها وتهويدها، وتغيير معالمها وهويتها العربية، ناهيك عن إغلاق العديد من محلاتها التجارية، وتضييق الخناق على أصحابها وفرض الضرائب الباهظة عليهم، مما أثقل كاهلهم وفاقم معاناتهم.
ويعاني "سوق القطانين" من هجمة شرسة غير مسبوقة من قبل شرطة الاحتلال والمستوطنين، تصاعدت وتيرتها خلال الأعياد اليهودية، وتحديدًا "عيد العرش"، مما حوله مكانًا للعربدة واستفزاز الفلسطينيين، بأداء الطقوس التلمودية والرقص والغناء.
وعلى مدار سبعة أيام متواصلة، أجبرت قوات الاحتلال أصحاب المحلات التجارية في "سوق القطانين" على إغلاق محلاتهم، لتأمين صلوات المستوطنين بـ"عيد العرش"، في مسعى خطير لتحويله إلى كنيس يهودي.
كنيس يهودي
الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب يقول لوكالة "صفا" إن الاحتلال و"جماعات الهيكل" المزعوم تضع أعينها على سوق القطانين، باعتباره الأقرب للمسجد الأقصى، ومطلًا رئيسيًا على قبة الصخرة.
ويضيف أن" الجماعات المتطرفة تعتقد بوجود (قدس الأقداس) أسفل قبة الصخرة، وأن حجارة السوق بُنيت على آثار ومن بقايا الهيكل، لذلك ينفذون اعتداءاتهم ومحاولاتهم للسيطرة على السوق بشكل متواصل، وكذلك التضييق على التجار، ودفعهم لترك محلاتهم".
ويعد السوق أحد الشواهد على غطرسة الاحتلال وعنهجيته، فبعدما فشل في محاولاته لتدميره واحتلاله، اتجه إلى فرض الضرائب الباهظة على التجار، مما اضطر معظمهم لإغلاق دكانه وحمل بضاعته على عربة أمامه ليبيع منها في شوارع القدس.
ويوضح أن الاحتلال يحاول تقسيم السوق زمانيًا والسيطرة عليه بكافة الوسائل، وتغيير هويته العربية، باعتباره رمزًا مقدسيًا ووقفًا إسلاميًا، يُدلل على حضارة وتراث المدينة المقدسية وتاريخها.
والاستيلاء على السوق وتحويله إلى كنيس يهودي-وفقًا لأبو دياب- يُمهد الطريق لإحكام السيطرة الإسرائيلية على المسجد الأقصى ومحاصرته، خاصة أن أطماع الاحتلال بهذا المكان التاريخي لم تتوقف، كما يقابله من الجهة الشرقية باب الرحمة.
وخلال "عيد العرش"، اقتحم مئات المستوطنين سوق القطانين وهم يحملون "القرابين النباتية"، وأدوا طقوسًا تلمودية ورقصات بين أزقته، كما وضعوا طاولات وكراسي وكتب دينية فيه، لإقامة قامة طقوسهم كاملة لساعات.
وحتى في الأيام العادية، لم يسلم السوق من ممارسات المستوطنين واستفزازاتهم، ومواصلة التضييق على التجار، وإغلاق محالهم التجارية، بما يؤثر سلبًا على الحركة التجارية، والتي تعاني أصلًا من كساد وركود اقتصادي، بفعل إجراءات الاحتلال.
ويعتمد السوق وحركته التجارية على رواد المسجد الأقصى وزوار مدينة القدس والحركة السياحية، لشراء الهدايا والتذكارات، والسبح، والتحف الأثرية والسكاكر، وغيرها.
ويشير الباحث المقدسي إلى أن سوق القطانين يعد أحد الأسواق التي يسهل على الاحتلال حراستها أمنيًا، كونه مغلقًا ومسقوفًا بشكل كامل، مطالبًا في الوقت نفسه، بضرورة إعمار السوق بشكل دائم.
استهداف متواصل
وأما رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي فيقول لوكالة "صفا" إن سوق القطانين تعرض عدة مرات للاستهداف الإسرائيلي، وتم استباحته واقتحامه خلال الأعياد والمناسبات اليهودية، وأثناء المسيرة الشهرية للمستوطنين في البلدة القديمة.
ويبين أن السوق يعد من الأسواق المميزة في القدس، وجمال بوابته بإطلالتها على المسجد الأقصى وقربها من قبة الصخرة، التي يعتبرها الاحتلال مركز القداسة في المسجد المبارك، وينظر لها على أنها "قدس الأقداس".
ويوضح أن الاحتلال يستهدف السوق لقربه من الأقصى وقبة الصخرة، وكونه مغلقًا يمكنه السيطرة عليه، إذ يعتبره الحلقة الأضعف فيما يخص أسواق البلدة القديمة، لذلك يسعى لتحويله لكنيس، لأداء الصلوات التلمودية.
ويضيف أن الاحتلال يتقدم بخطى ثابتة ونوعية باتجاه الأقصى، "فكلما اقترب من محيطه وعمل على تغيير الواقع حوله، كلما زادت الخطورة على المسجد ومحاولات تهويده".