web site counter

ترقيات وتعيينات في الوظيفة العمومية تقفز عن القانون بـ"قوة الواسطة والمحسوبية"

غزة/ رام الله - محمد أبو قمر - صفا

تضج منصات التواصل الاجتماعي بين حين وآخر بانتقادات حادة لقرارات تعيين وترقية أبناء وأقارب مسؤولين في المؤسسات الحكومية، بعيدًا عن الإجراءات القانونية المتبعة في نظام الوظيفة العمومية.

وتأتي هذه التجاوزات في الوقت الذي تعاني فيه السلطة الفلسطينية من أزمة مالية، وبالتزامن مع إعلان الحكومة عن إجراءات تقشفية، وليس بعيدا عن قرار الرئيس محمود عباس بوقف التعيينات والترقيات.

"صفا" فتحت ملف التجاوزات في التعيينات والترقيات، وتتبعت الوقائع التي تكشف شبهات فساد يشوبها الواسطة والمحسوبية في القرارات التي يقف خلفها مسؤولون حكوميون.

تبادل وظيفي

التدقيق في المعلومات انطلق من قرار رئيس الوزراء محمد اشتية الذي اتخذه في الحادي والعشرين من يوليو الماضي بوقف إجراءات تعيين أو ترقية ابنتي وزيري الأشغال والحكم المحلي.

وكتب اشتية حينها عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، "إنّ أي تعيينات لم تخضع للقوانين والأنظمة المعمول بها في ديوان الموظفين ولم يتم فيها مراعاة معايير النزاهة والشفافية هي تعيينات غير قانونية يتم وقفها، وستجرى عملية مراجعة للتعيينات التي جرت سابقًا ووقف المخالف منها".

قرار اشتية جاء بعد يوم واحد مما أثاره تعيين وزيري الحكم المحلي والأشغال لابنتيهما في دوائر الوزارتين، حيث تم تعيين ابنة وزير الأشغال محمد زيارة بدرجة مدير c بوزارة الحكم المحلي، بالتزامن مع قبول الأول طلب توظيف ابنة وزير الحكم المحلي مجدي الصالح.

وعقب الضجة التي ثارت في الشارع وعبر منصات التواصل، أعلنت الجهات المختصة في هيئة مكافحة الفساد متابعة ما نشر وأطلق عليه "التبادل الوظيفي"، والذي يشتبه بأنه تم خارج إطار القانون في وزارتي الحكم المحلي والأشغال العامة.

وقالت الهيئة في بيان إنها اعتمدت ما تم نشره وتداوله حول التعيينات بمثابة بلاغ رسمي وباشرت البحث والتحري حول هذا الأمر للوقوف على كافة التفاصيل المرتبطة به ومعالجته وفق الأصول.

لم تفلح جميع محاولات وكالة "صفا" للتواصل مع القائمين على هيئة مكافحة الفساد، لكنها تفاجأت بأن الهيئة نفسها لم تلتزم بالنص الدستوري بشأن التنافس في إشغال الوظائف عبر الالتزام بالإعلان الخارجي عن كافة الوظائف الشاغرة لديها، بالإضافة إلى عدم اعتماد أنظمة وتعليمات بشأن التعيينات، حسب الملاحظات الواردة في الصفحة رقم 60 من تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية السنوي للعام 2020.

قرارات عليا

وفي إطار البحث تبين أن تجاوزات التعيين والترقية تكررت خلال الفترة الماضية، حيث اطلع معد التحقيق على وثيقة رسمية صادرة في العشرين من نوفمبر عام 2020 موجهة من رئيس ديوان الموظفين العام لوزير الاتصالات إسحاق سدر، بقرار تعيين لارا نصري أبو جحيش (ابنة وزير العمل) بوظيفة مهندس حاسوب في الإدارة العامة للحاسوب الحكومي.

اللافت في القرار أن اعتمادها المالي كان استثنائيا، وجاء في نصه أنه جاء "تماشيا مع قرار رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير- رئيس دولة فلسطين".

قرار التعيين يعيد إلى طاولة البحث القرار الذي أصدره الرئيس في الخامس والعشرين من مارس 2019 يؤكد في مادته الثانية وقف التعيينات والترقيات.

كما أصدر عباس في الحادي والثلاثين من مارس 2020 قرارا بقانون رقم (8) لسنة 2020 بشأن موازنة الطوارئ العامة، يمنع بموجبه بشكل حاسم كافة التعيينات والترقيات من الوزراء ورؤساء المؤسسات العامة غير الوزارية، إلا تلك التي لها علاقة بمواجهة جائحة كورونا، شرط أن تتم الأخيرة بشفافية عالية.

قرارات الرئيس دفعت معد التحقيق إلى العودة لصحيفة الوقائع الفلسطينية الرسمية الصادرة عن ديوان الفتوى والتشريع ليجد أن عباس اتخذ 78 قرارا بالتعيين (بعض القرارات تشمل ما يزيد عن 10 أشخاص دفعة واحدة)، و61 قرارًا بالترقية (بعض القرارات تشمل أكثر من شخص).

القرارات السابقة شملت الفترة الممتدة ما بين مارس 2019 حتى نهاية سبتمبر 2022 وجاءت عبر 41 عددًا من الصحيفة، وهي الفترة التي بدأت مع نفاذ قرار الرئيس عباس بوقف التعيينات.

ولم تفصح القرارات أسباب التعيينات والترقيات ولا حتى الآلية التي تم اتخاذ القرار بناء عليها، رغم أنه من المفترض ألا تتم بناء على قرار الرئيس، وتأتي في الوقت الذي يستمر فيه إعلان حالة الطوارئ، وتوجه الحكومة في رام الله للتقشف المالي مع استمرار الأزمة المالية.

وتثير قرارات الرئيس عباس السابقة الكثير من علامات الاستفهام حول الآليات والمعايير المتبعة في التعيينات والترقيات، ومن يراقب عليها.

محاولات التفافية

حلقة جديدة من التنقيب عن المعلومات، أظهرت محاولات التفافية من مسؤولين حكوميين لتجاوز النظام المعمول به في التوظيف، واللجوء إلى تعيينات على بند العقود والمياومة بدلا من الوظائف المنبثقة عن ديوان الموظفين العام.

وفي هذا الإطار نشرت صحيفة الوقائع الرسمية بعددها رقم 180 الصادر بتاريخ 24/6/2021، نظام توظيف الخبراء وشغل الأعمال المؤقتة العارضة أو الموسمية رقم 10 لسنة 2021 الموقع من رئيس الوزراء محمد اشتية بتاريخ 5/4/2021.

وتشير المادة 6 منه إلى أن تعيين الخبير أو الموظف على عقد عمل مؤقت عارض يكون بقرار من رئيس الدائرة الحكومية.

وتنص المادة 11 على أنه يجوز لرئيس الدائرة الحكومية التعيين المباشر لطاقم مكتبه (مدير مكتب، سكرتير، سائق، مرافق) بعقود تنتهي بانتهاء فترة عمل رئيس الدائرة الحكومية.

وتستدرك بنود المادة 11 بالقول: "يجوز تثبيت المتعاقد معهم من طاقم رئيس الدائرة الحكومية من خلال إعلان ومسابقة خارجية.

أما المادة 13 فتنص على أن تثبيت من تم التعاقد معهم ولم يخضعوا للإعلان والمسابقة الخارجية يكون من خلال الإعلان والمسابقة الداخلية في الدائرة الحكومية، بالتنسيب.

وفي اتصال هاتفي مع رئيس ديوان الموظفين العام في رام الله موسى أبو زيد للحديث عن التعيينات والترقيات التي حدثت مؤخرا أكد استعداده للإجابة عن أي إجراءات تعيين صادرة عن ديوان الموظفين، وما ينبثق عنها من مقابلات وإجراءات.

حديث أبو زيد لوكالة "صفا" يعطي مؤشرًا لوجود إجراءات تجري خارج نطاق ديوان الموظفين، وهو ما رصده تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية للعام 2021.

وتحت عنوان "أعمال وزارة شئون القدس لعامي 2018 و2019" الوارد في الصفحة 76، رصد التقرير أن التعيين في الوزارة يتم بشكل مباشر دون إجراء مسابقات تنافسية، كما أنه لم تتطابق بطاقات الوصف الوظيفي، للمؤهلات العلمية التي يحملها الخبراء الذين تم تعيينهم على مشروع عنقود العاصمة التنموي.

وفي تجاوز آخر طال هيئة تسوية الأراضي والمياه، يكشف التقرير في الصفحة رقم 135 أنه لم يتم اتباع الإجراءات القانونية الكافية لضمان صحة التعيينات التي تمت في الهيئة لبعض موظفي العقود وسلامتها، كما أن الهيئة قامت بتعيين وتثبيت وترقية بعض الموظفين بناء على قرارات استثنائية دون اتباع الإجراءات القانونية.

وفي تعليقه على عمل هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أكد تقرير الإدارة العامة للرقابة المالية والإدارية أن الإجراءات المتبعة في التعيينات والترقيات في أغلبها تتبع أسلوب الاستثناء وتخالف الإجراءات القانونية الواجب اتباعها.

وخلال مراجعة التقارير السنوية التي سبقت العام الماضي والصادرة عن ديوان الرقابة المالية والإدارية، تكررت الملاحظات الخاصة بالتعيينات والترقيات خارج إطار القانون.

وتحت عنوان التعيين دون إجراء مسابقات تنافسية بالمحكمة الدستورية العليا؛ أورد تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية للعام 2020 في الصفحة 77 أنه تم تعيين بعض الموظفين خلافا للقانون ودون الإعلان عن توفر شاغر وإفساح المجال أمام الجميع للتنافس على الوظائف على قاعدة تكافؤ الفرص، وتم حصر المقابلات بالمعرفة الشخصية للموظفين في المحكمة الدستورية خلافا للفقرة 4 من المادة 26 من القانون الأساسي الفلسطيني.

تواصلت وكالة "صفا" مع ديوان الرقابة المالية والإدارية في رام الله، وأرسلت بريدًا إلكترونيًا لرئيسه للاستفسار عن الدور الملقى على عاتقه في متابعة التجاوزات القانونية، لكنها لم تتلق ردًا على أسئلتها.

ترقيات بالجملة

جملة من قرارات الترقيات والتعيينات رصدتها وكالة "صفا" لأبناء وأقارب مسؤولين في الحكومة، كان أبرزها إلى جانب تعيين ابنتي وزيري الأشغال العامة والحكم المحلي، ترقية وزيرة الصحة مي الكيلة لعدد من الموظفين ومنحهم درجات وظيفية عالية، أبرزها "مدراء عامون".

وكشفت وثائق نشرت عبر وسائل إعلام محلية عن ترقية أقارب مسؤولين بارزين في السلطة إلى مناصب عُليا بوزارة الصحة، منهم معتصم محيسن نجل عضو اللجنة المركزية لحركة فتح جمال محيسن، والذي عُين مديرا لصحة رام الله والبيرة.

وشملت الوثائق وائل الشيخ، نجل شقيق عضو اللجنة المركزية لحركة فتح حسين الشيخ، الذي عُين وكيلا لوزارة الصحة، ومها عواد شقيقة وزير الصحة السابق جواد عواد التي عُينت رئيسة لوحدة صحة المرأة في الوزارة.

ومن ضمن الترقيات، نُقلت نور نصار ابنة مدير عام الدفاع المدني سابقًا يوسف نصار لوزارة الاتصالات بدرجة مدير C، بعدما تم فرزها على كادر الدفاع المدني بعهد والدها.

وفي الثامن عشر من يونيو 2020 نشرت سلطة الأراضي في الضفة الغربية عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك قرار تكليف المستشار أحمد سعدي الأحمد مديرا عاما للشئون القانونية فيها، وهو ابن شقيق عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح.

دون رقابة

التجاوزات السابقة وغيرها أرجعها المدير التنفيذي للهيئة الأهلية لاستقلال القضاء ماجد العاروري إلى ضعف الرقابة على المؤسسات الحكومية، وكذلك غياب المجلس التشريعي صاحب الصفة الرقابية.

ورأى العاروري، في حديثه لوكالة "صفا"، أن المخرج الحقيقي للأزمات التي نعيشها فيما يتعلق بتطبيق النظام بالوظائف الحكومية، هو انتخاب مجلس تشريعي فاعل.

وكان العاروري دعا رئيس الوزراء محمد اشتية إلى إقالة وزيري الحكم المحلي والأشغال بقضية ما يعرف بتبادل "وظائف بنات الوزراء".

وحث اشتية في منشور له عبر فيسبوك على المباشرة بتصحيح أخطاء التعيينات وإعادة الحق لأصحابه، كي تكون الحادثة عبرة لكافة المسؤولين.

وقال: "الفعلة التي أعلن عنها بشأن التعيين قد تحمل بطياتها شبهة إساءة السلطة واستغلال النفوذ والمحسوبية، وهذه في حال ثباتها تصنف أفعال مجرمة".

وتعقيبًا على تشكيل لجان تحقيق لمتابعة القضايا التي تثار إعلاميًا، أضاف العاروري "لصفا": "لا أعتقد أنه يتم متابعة تلك اللجان، لأننا لا نسمع بنتائجها".

وفي السياق، أكد النائب في المجلس التشريعي حسن خريشة ضرورة أن تكون التعيينات ضمن معايير محددة وفق قانون الخدمة المدنية.

وشدد خريشة، في حديثه لوكالة "صفا"، على أن "كل تعيينات كبار الموظفين تجري بطريقة فوقية تدخل فيها المحسوبية والمحاصصة، وفي حال تعلق الأمر بالبسطاء يجري التذرع بالأزمة المالية".

وبيّن خريشة أن "غياب المجلس التشريعي أسهم بغياب الرقابة، وبالتالي فتح الباب أمام المتنفذين للفساد".

الملف الخاص بالتعيينات خارج النظام المعمول به، دفع الائتلاف من أجل النزاهة والشفافية "أمان" لإرسال رسالة إلى ديوان الموظفين العام يستفسر فيها عن دقة المعلومات المتداولة بشأن بعض التعيينات.

وقال الائتلاف إنه استفسر من الديوان عن "تعيين المواطن (م.ا) مكلفًا بأعمال مدير الترخيص في إحدى دوائر السير، وفق ما يتم تداوله في بعض المواقع الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي".

وأضاف "لاقى الخبر استهجانًا من المواطنين، كون المواطن-حسبما يشاع- حاصل على مؤهل ثانوية عامة "توجيهي" فقط، ما يخالف القانون الأساسي الفلسطيني الذي ينص على حق كُل مواطن تقلُّد المناصب والوظائف العامة على قاعدة تكافؤ الفرص، والتي تتيح الفرصة أمام جميع الكفاءات الوطنية للتقدم لشغل الوظائف في مؤسسات الدولية".

وفي رسالته التي أرسل الائتلاف نسخة منها إلى وزارة النقل والمواصلات وديوان الرقابة المالية والإدارية؛ شدد أمان على ضرورة الالتزام بمبدأي المساواة والجدارة، من أجل ضمان وصول الأشخاص المناسبين للوظائف المحددة، طبقًا لشروط إشغال الوظيفة العامة وبطاقة الوصف الوظيفي الخاصة بها.

وكان "أمان" أوصى بإنشاء "لجنة جودة الحكم" للرقابة على التعيينات العليا ونزاهة الوظائف العامة.

وأكد الائتلاف في تقريره السنوي الرابع عشر حول واقع النزاهة ومكافحة الفساد للعام 2021 على ضرورة وقف التعيينات العامة (المدنية والأمنية) لفترة محدودة في القطاع العام، وضرورة التأكيد على الالتزام بإجراءات المنافسة على الشواغر الوظيفية.

وشدد "أمان" على أن لجنة جودة الحكم الذي أوصى بها يقع على عاتقها التأكد من تمتّع المرشحين بمتطلبات الوصف الوظيفي لشغل المواقع قبل التعيين، وكذلك الرقابة على مدى الالتزام بمدد بقائهم في وظائفهم وفقاً للقانون، وبشكل خاص للسفراء والمحافظين وقادة الأجهزة الأمنية ورؤساء المؤسسات العامة الوزارية وغير الوزارية.

وبناء على توصية "أمان" فانه يقع على عاتق اللجنة تبنّي سياسة حازمة وملزمة لمنع تسييس الوظيفة العامة، وتفعيل دور أجهزة الرقابة لمساءلة أيّ مسؤول يستخدم الوظيفة العامة لأغراض سياسية فئوية أو لتصفية حسابات شخصية.

أكثر من ثلاث سنوات مرت على قرارات وقف التعيينات والترقيات، تفاقمت فيها مديونات السلطة الفلسطينية إلى 3.7 مليار دولار (11.6 مليار شيكل) مع نهاية الربع الأول من العام الجاري وفقًا لبيانات صادرة عن وزارة المالية برام الله، فيما استمر فيها التعيين والترقية خارج القانون دون حسيب أو رقيب.

42ad541e-2293-4321-abd3-6b4313d74510.jpg

أ ج/د ق

/ تعليق عبر الفيس بوك

تابعنا على تلجرام