ابتسامة عريضة استطاع "الفنان الطبيب" عز الدين لولو، رسمها على وجوه البسطاء في قطاع غزة، حين فاجأهم برسم شخصياتهم دون لفت انتباههم.
يراقب الفنان الشاب الوجوه المتعبة ليبدأ برسم تفاصيلها؛ تقديرًا لمكابدتها الحياة، قبل أن يتم مكافأته بردة فعل صادقة تعطيه دفعة أمل لإكمال مسيرته.
وانطلاقًا من فكرة أن الرسم لغة عالمية برسائل إنسانية، جاءت فكرة الفنان الشاب لرسم الشخصيات المارة في الطرقات، والتي أحدثت تفاعلًا ملحوظًا على مواقع التواصل الاجتماعي محليًا وعربيًا.
ويبدو لولو في غاية السعادة وهو يلاحظ رد فعل الأشخاص الذي قرر تسليط الضوء عليهم من خلال رسوماته، التي بدأها بشرطي مرور، وعامل نظافة، مرورًا بكبار السن، والأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأصغر طفل يُسمّع القرآن على جلسة واحدة، وليس انتهاءً ببائع الترمس.
ويقول الفنان الشاب لوكالة "صفا"، إن: "البسمة والسعادة التي ارتسمت على وجوههم من أجمل الأشياء التي رأيتها في حياتي، حيث أعطتني طاقة ودفعة نفسية لـ20 سنة مقبلة".
وفي مشهد مؤثر، اشترى فريق من المبادرين عربة لـ"جبر خاطر" بائع ترمس يعاني ظروفًا صعبة، لمساعدته في كسب رزقه، عقب انتشار مقطع فيديو لعز الدين على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو يرسم البائع الذي عبّر عن فرحته قائلًا: "أنا فرحان على هادي الرسمة.. والله على الدار عِدِل (سريعًا) لأروّح".
جمع الطب والفن
بزغ إبداعه في السابعة من عمره، فرسم على الورق لوحات كرتونية تجسد طفولته، وطوّر موهبته حتى أتقن فن البورتريه (رسم الأشخاص)، ثم الرسم على لوحات "كانفاس" بألوان "أكريليك" و"باستيل زيتي"، وصولًا إلى الإبداع في الرسم الرقمي واللوحات الضوئية بواسطة الأجهزة الرقمية.
ويُحب لولو، طالب الطب البشري في الجامعة الإسلامية، التعبير عن أفكاره من خلال المحتوى الفني الذي يقدمه، "فالطب مهنتي والرسم هوايتي التي أُبدع فيها"، كما يقول.
وباعتقاده فإن "الموهبة لا تؤثر على العلم في حال إحداث توازن بينهما، لا بل من الجميل أن تمزج بين الطب والفن لعلاج آلام الناس الجسدية والنفسية، وإدخال السعادة لقلوبهم".
ونال الفنان التشكيلي دعمًا كبيرًا من عائلته وأصدقائه، إلى جانب زملائه الفنانين الذين يثقون بموهبته، إذ لطالما شجعه الفنان الفلسطيني علاء اللقطة على المضي قدمًا ليصبح "سفيرًا لفلسطين".
وبالفعل جرى اختيار عز الدين ضمن 6 مرشحين من صناع المحتوى على مستوى فلسطين، في مسابقة لاختيار سفراء للنوايا الحسنة للاتحاد الأوروبي، متمنيًا أن يحالفه الحظ في المرحلة الأخيرة ويكون سفيرًا لدولة فلسطين.
وبكل فخر وثقة، يعد لولو المسابقة من أكبر الخطوات المهمة في حياته، "ليكون حلقة وصل بين دعم الاتحاد الأوروبي، وأصحاب الهمم والأفكار الحبيسة، من أجل رفع الستار عن الأفكار والتفاصيل الصغيرة لتتحول إلى مشاريع وقصص نجاح كبيرة".
شارك لولو في عديد المعارض الفنية، ودائمًا ما كان أصغر المشاركين عمرًا وأكثرهم موهبة، وهو أول فنان فلسطيني يرسم بتقنية الـ"زووم"، لإيصال رسالته وما بداخله عن فلسطين لكل العالم، بطريقة مبدعة ومتطورة، وفق قوله
توثيق معاناة وطن
استغل الفنان الشاب موهبته لتوثيق معاناة وطنه وشعبه تحت الاحتلال الإسرائيلي، ونشرها عبر المنصات العربية والدولية، إلى جانب تجسيده شخصيات فلسطينية اغتالتها "إسرائيل"، بينها الصحفية شيرين أبو عاقلة.
وكان آخر تلك الأعمال، توثيق العدوان الأخير على قطاع غزة، إذ جمع مشاهد إنسانية ودمجها في فيديو انتشر عالميًا.
ويجسّد الفيديو الشهداء في عيون أطفالهم، والجرحى في عيون ذويهم، وألم الفراق في عيون أم مكلومة، وختمها بمشاهد وداع مؤلمة "تؤكد أن للوجع بقية..".
كما أبدع في العديد من الفيديوهات والمشاهد باختلاف موضوعاتها، ولاقت رواجًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب تأثيرها الذي تعدى المحلية.
أمل في واقع صعب
وثمة معيقات جمّة تواجه المواهب الشابة، تقف عائقًا أمام تحقيق طموحاتهم، نظرًا للحصار والظروف الاستثنائية التي يعيشها الفلسطينيون ولاسيما أهالي قطاع غزة.
ويعرب الفنان التشكيلي الشاب عن حزنه لعدم قدرته على السفر حين دُعي لتمثيل فلسطين في مؤتمر الطفولة الرابع عام 2016 في إسطنبول، إذ حال إغلاق المعابر آنذاك دون انضمامه للمؤتمر.
لكن ذلك لم يهزم طموح لولو المفعم بالفن، بل زاده إصرارًا على النجاح وإيصال رسالته للعالم، فلجأ للمشاركة في المؤتمر عن طريق البث المباشر، ورسم لوحته أمام الجمهور.
وحاز لولو على المركز الثالث عربيًا، في مسابقة الرسوم الكاريكاتيرية الدولية، كما رسم شخصيات مختلفة ونشر أعماله في صحف ومجلات، ليؤكد أن "الشعب الفلسطيني حر وشجاع لا يهزم".
وما زال الفنان عز الدين لولو يبحث بين أزقة القطاع عن وجوه أرهقتها الحياة ليرسم بقلمه ملامحها بألوان زاهية، ويعيد لها بريقها.