يُحول "عيد الغفران/ الكيبور" اليهودي حياة المقدسيين إلى "سجن كبير"، نظرًا لما تشهده مدينة القدس المحتلة من إجراءات أمنية مشددة تُعطل معظم مرافق الحياة، وتُقيد حركة تنقلهم، وتُرهق اقتصادهم المتدهور، بفعل التشديدات العسكرية.
ويشهد هذا اليوم إغلاقًا تامًا للشوارع والطرقات في القدس، ومداخل الأحياء بالمكعبات الإسمنتية، فضلًا عن نصب الحواجز العسكرية والمتاريس الحديدية على مداخل الأحياء والبلدات المقدسية ومخارجها، سيما بلدتها القديمة وأزقتها، بما يؤدي إلى شلل في جميع مناحي الحياة.
ويواجه التجار المقدسيون قيودًا مشددة على حركة تنقلهم، ويجدون صعوبة في الوصول إلى محالهم التجارية ومزاولة أعمالهم وحياتهم الاعتيادية، بفعل الإغلاقات، وتوقف حركة المواصلات العامة والمركبات الخاصة، ناهيك عما تسببه من قلة بأعداد المتسوقين، بما يضعف الحركة الشرائية.
ويُعد ذلك العيد في الشريعة اليهودية يوم عطلة كاملة يحظر فيه على اليهود (الشغل، إشعال النار، الكتابة بقلم، تشغيل السيارات، تناول الطعام والشرب، الاستحمام، المشي بالأحذية الجلدية، وأعمال أخرى)، ويتم تخصيص ساعاته للعبادة.
وتتحول المدينة المقدسة وبلدتها القديمة إلى ثكنة عسكرية بفعل انتشار المئات من قوات الاحتلال وشرطة "حرس الحدود"، الذين يفرضون قيودًا على تحركات المقدسيين، في المقابل فرض تسهيلات على تنقل المستوطنين المتطرفين واستباحتهم للمسجد الأقصى المبارك.
ودعت "جماعات الهيكل" المزعوم أنصارها وجمهور المستوطنين إلى اقتحامات جماعية للمسجد الأقصى غدًا الأربعاء، بمناسبة "عيد الغفران".
ويحرص المستوطنون خلاله إلى محاكاة "قربان الغفران" في المسجد المبارك، والنفخ بالبوق والرقص في كنيسهم المغتصب في المدرسة التنكزية بالرواق الغربي للأقصى بعد أذان المغرب مباشرة.
اعتداء صارخ
وتشكل الأعياد اليهودية بما فيها "الغفران" اعتداءً صارخًا على المقدسات الإسلامية، وتحديدًا المسجد الأقصى، والذي يشهد جملة من الانتهاكات والاستفزازات من المستوطنين وشرطة الاحتلال. كما يقول المختص في شؤون القدس جمال عمرو.
ويوضح عمرو في حديث لوكالة "صفا"، أن الاحتلال ومستوطنيه يستغلون أعيادهم للتعدي على حرمة الأقصى بشكل سافر والاعتداء على المسلمين والمرابطين، بما يمثل خطورة كبيرة على المسجد المبارك.
ويشير إلى أن عشرات آلاف المستوطنين يأتون بالحافلات لأجل تدنيس الأقصى وأداء طقوسهم التلمودية فيه، وتأدية الصلاة في حائط البراق، بحماية مشددة من شرطة الاحتلال.
ويضيف أن هذه الاقتحامات تقودها وترعاها حكومة الاحتلال، والتي تُوظف كل عناصر المخابرات والشرطة لتوفير الحماية لهؤلاء المستوطنين بهدف التدنيس والعبث في الأقصى والقدس، واستفزاز المقدسيين، وتنغيص حياتهم، بالإغلاق والحصار، وتحويل مرافق المدينة لشلل شبه تام.
وأعلنت شرطة الاحتلال رفع حالة التأهب في المدينة المحتلة عشية حلول العيد اليهودي غدًا، كما عززت قواتها بالآلاف، تمهيدًا لوصول الآلاف من المستوطنين لحائط البراق، قبل تنظيم عمليات اقتحام كبيرة لباحات المسجد الأقصى.
ووفق وسائل إعلام إسرائيلية، فإن الجزء الأكبر من التعزيزات والاستعدادات يهدف إلى منع وقوع مواجهات في البلدة القديمة من القدس، ووسط المدينة، والطرق التي سيسلكها المستوطنون.
وستنشر شرطة الاحتلال حواجز على الطرق الرئيسة في المدينة المقدسة، لمنع حركة المركبات من شرقها إلى غربها، وستفرض تغييرًا في مسارات الحركة بالنسبة للمقدسيين، منعًا للاحتكاك على حد وصفها، وأيضًا ستنشر خارطة بطرق بديلة.
شلل تام
ويبين الباحث المقدسي أن المدينة المقدسة في "يوم الغفران" تتحول إلى مدينة أشباح، ولشلل تام في جميع مرافقها وقطاعاتها الحيوية مثل الصحة والتعليم والاقتصاد، بما تشمله من إغلاق للمدارس والمحال التجارية، وغيرها.
كما يتم إغلاق مداخل الأحياء العربية بالمكعبات الإسمنتية والمتاريس الحديدية، مما يعيق حركة تنقل السكان، فيضطرون لسلوك طرق أخرى بديلة، لأجل الوصول للأقصى والبلدة القديمة.
وفي بعض الأحيان- كما يوضح عمرو- يضطر السكان للسير على الأقدام، وخاصة من الأحياء القريبة من المسجد الأقصى، وأيضًا يمكن الوصول لأقرب نقطة، ومن ثم التوجه للمسجد مشيًا على الأقدام من أجل حمايته والدفاع عنه من اعتداءات واقتحامات المستوطنين، التي تتم بقوة الاحتلال والسلاح.
وبنظر عمرو، فإن الاحتلال يشن عدوانًا عسكريًا وسياسيًا على المسجد الأقصى والقدس، ويُوظف ذلك لأجل كسب مزيد من أصوات المستوطنين واليمين المتطرفة مع اقتراب انتخابات الكنيست المقبلة.