يشكل المسجد الأقصى المبارك والدفاع عنه، ورفض المنهاج الإسرائيلي في آن واحد عنوانًا لقضية ومعركة واحدة، هدفها منع أي محاولة إسرائيلية لتصفية وطمس الهوية العربية في القدس المحتلة، وترسيخ الرواية اليهودية.
وتعتبر الساحة الأهم للاعتصام والوقوف في وجه "أسرلة التعليم والمناهج" في المدينة المقدسة، هي ساحة المسجد الأقصى، والتمسك بهويته العربية والإسلامية، فهذا المسجد لن يكون يومًا "هيكلًا"، والقدس أيضًا لن تكون "أورشليم".
وبدأ الصراع على المنهاج التعليمي والمسجد الأقصى منذ الأيام الأولى لاحتلال المدينة عام 1967، حينما شرعت سلطات الاحتلال بخطواتها وإجراءاتها لتهويد التعليم والأقصى، عبر محاولاتها لفرض المنهاج الإسرائيلي على المدارس المقدسية، وأيضًا تفريغ المسجد من الفلسطينيين، وتغيير معالمه وطمس هويته.
ووظف الاحتلال جلّ طاقاته وإمكاناته من أساليب وصلاحيات بالجوانب المختلفة سياسيًا، اقتصاديًا، ثقافيًا، وأمنيًا، للوصول لتحقيق أهدافه بطمس الهوية الوطنية الفلسطينية وأسرلة من تبقى من مقدسيين في المدينة المقدسة.
ولم يتوقف الصراع على الهوية الفلسطينية، بل لا زال مستمرًا، من خلال إجراءات ووسائل ممنهجة عديدة، بما فيها "عبرنة" الشوارع والمعالم الفلسطينية والعربية في القدس بمسميات يهودية وصبغها بدلالات تلمودية، وأحداث تاريخية مزعومة، وكأنها "مدينة يهودية منذ الأزل".
أضف إلى ذلك سحب الهويات من المقدسيين، وعمليات تزييف المناهج التعليمية، ناهيك عن عمليات التطهير المكاني والعرقي، ومحاولات ضرب الوجود المقدسي، وربط المقدسيين بشكل كامل بمنظومة "إسرائيل" الاقتصادية والمعيشية والحياتية، وغيرها من الإجراءات الاحتلالية.
معركة الهوية
رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي يرى أن المعركة على الأقصى والمنهاج في القدس هي معركة واحدة عنوانها الهوية الفلسطينية العربية سواء في القدس أو كل فلسطين المحتلة، والتي يجب ترسيخها والحفاظ عليها.
ويوضح الهدمي لوكالة "صفا" أن المسجد الأقصى يشكل عنصرًا أساسيًا وعنوانًا لوحدة الشعب الفلسطيني وتماسكه وهدفًا لوجوده على أرضه ودفاعه عنه، "فلا قدس بدون الأقصى ولا شعب فلسطيني بدون الدفاع عنه، لأن الصراع مبنى على وجود صاحب الحق في المسجد المبارك".
ويضيف أن "الصراع في المعركتين مترابط ومتكامل فيما بينهما، كونه يستهدف محو الهوية الوطنية وطمسها، والتي تتبنى روايتنا وثوابتنا ومنظومة الأخلاق والقيم ودفاعنا عن المسجد الأقصى ووجوده".
وبحسب الهدمي، فإن الاحتلال يريد حسم الصراع على الرواية والهوية، مدعيًا أن" هناك أقلية فلسطينية تعيش في مدينة القدس، وتتعلم الرواية الصهيونية والمنهاج الذي تضعه بلدية الاحتلال".
وتهدف "إسرائيل" من الناحية الجغرافية والديمغرافية في القدس إلى فرض "الوجود والهوية اليهودية" بالكامل على المدينة، والسيطرة على الفضاء الذي يمثله المسجد الأقصى، بحيث تصبح المدينة المقدسة للناظر إليها مدينة يهودية الطابع.
حرب مفتوحة
ويقول المختص في شؤون القدس زياد إبحيص لوكالة "صفا" إن المعركة المستمرة على المنهاج والمسجد الأقصى وهويته الإسلامية يشكلان وجهان لنفس الحرب الإسرائيلية التي تستهدف محو هوية المقدسيين، باعتبارهم جزءًا أصيلًا من الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية.
ويوضح أن هذه الحرب تسعى إلى طمس هوية المسجد الأقصى وتحويله لمكان عبادة مشترك، ومن ثم إلى "هيكل يهودي مزعوم".
ويضيف أن "هذه الحرب ذاتها تريد طمس هوية المقدسيين وتحويلهم إلى مادة بشرية لا هي فلسطينية ولا صهيونية بل فائضة عن الحاجة، تستدعي عند الحاجة الإسرائيلية فقط، لتتحول إلى أيدي عاملة وسوق استهلاكي عندما يحتاجها الاحتلال فقط".
ويتابع: "ليس مسموحًا للمقدسيين أن يمتلكوا هوية ولا أرضًا ولا إيمانًا، بل يقيمون في مدينة القدس بصفة المقيم شبه الدائم، ويمكن سحب حق الإقامة من أي مقدسي بأي وقت".
ويتزامن خطر فرض المنهاج الإسرائيلي والمُحرّف على الطلبة المقدسيين مع مخاطر اقتحام الأقصى بشكل جماعي خلال الأعياد اليهودية المقبلة، ونتيجة لذلك انطلقت دعوات مقدسية لتفعيل جبهة الإضراب الشامل في مدارس القدس، وتوجيه حشود الطلبة وذويهم إلى ساحات الأقصى، رفضًا للتحريف والاقتحام.
موقف موحد
وبهذا الصدد، يؤكد إبحيص أنه كما نخوض المعركة على المنهاج الإسرائيلي بالإضراب الشامل، فإنه يجب على الطلبة أن يتوجهوا إلى ساحات الأقصى، كما المعلمين وأولياء الأمور، لتكون الوقفتان عنوانًا لمعركة واحدة، ولكي يُدرك الاحتلال بأن هذه حرب بالنسبة لنا نستطيع أن نخوضها على جميع الجبهات.
وبحسب المختص في شؤون القدس، فإن المعركة التي بدأت اليوم ضد المنهاج الإسرائيلي يجب أن تستمر على المسجد الأقصى خلال الأيام القادمة عندما يبدأ العدوان على المسجد المبارك.
ويضيف "طالما هناك موقف مقدسي موحد في مواجهة أسرلة التعليم يقول إننا لا نقبل إلا بتدريس المناهج الفلسطينية، وأيضًا إصرار من أولياء الأمور والمقدسيين وفصائل العمل الوطني والإسلامي على ذلك، فمن الممكن الوصول إلى نتائج حقيقية على الأرض".