القدس المحتلة - خاص صفا
يُسارع الاحتلال الإسرائيلي منذ احتلاله مدينة القدس عام 1967، الخطى لإتمام مشاريعه التهويدية وبناء الكنس والمباني اليهودية الشاهقة في المدينة المحتلة ومحيط المسجد الأقصى المبارك، تمهيدًا لعزله وإحكام حصاره، ووضع بصمات يهودية مغايرة تمامًا للواقع والتاريخ العربي والإسلامي.
وأكثر المناطق استهدافًا بالكنس هي البلدة القديمة وحارة المغاربة وساحة البراق غربي المسجد الأقصى، والتي تعتبر من أشهر معالم القدس، ويمتد بين باب المغاربة جنوبًا، والمدرسة التنكزية شمالًا، سيطر عليه الاحتلال بعد احتلاله المدينة.
وحديثًا، انتهت سلطات الاحتلال من تشييد مبنى تهويدي جديد في حي المغاربة الملاصق للأقصى، تحت إشراف "صندوق إرث حائط المبكى" التابع مباشرة لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وكان العمل في إقامة المبنى بدأ منتصف عام 2017، بعدما جرى طمس المعالم العربية والإسلامية ومحو الآثار في المنطقة، بهدف استيعاب أكبر عدد من المستوطنين المقتحمين لساحة البراق.
و"حارة المغاربة" تعد من أشهر الحارات في البلدة القديمة، وترجع شهرتها إلى إقدام "إسرائيل" على تسويتها بالأرض وهدمها بالكامل بعيد احتلال القدس، وحوَّلتها إلى ساحة أسمتها "ساحة المبكى" لخدمة الحجاج والمصلين اليهود عند حائط البراق.
وتعتزم بلدية الاحتلال إقامة جسر ضخم جديد في باب المغاربة المؤدي للأقصى، وإزالة الجسر الخشبي المخصص لاقتحامات المستوطنين، بالإضافة إلى مخطط جديد وخطير لتوسيع باب المغاربة، لأجل تمكين دخول المستوطنين بأعداد أكبر من ساحة البراق.
استراتيجية ممنهجة
ويضم المبنى الجديد الذي انتهى الاحتلال من بنائه، أربعة طوابق تطل على حائط البراق، يحتوي الطابق الأول على مواقف للسيارات لتسهيل وصول المستوطنين المتطرفين بمركباتهم للمبنى، وأما الطابق الثاني، فيضم مدرسة توراتية لتعليم التوراة و"كهنة المعبد". كما يقول الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب.
ويضيف أبو دياب في حديث لوكالة "صفا" أن الطابق الثالث من المبنى يضم كنيسًا لأداء الطقوس التلمودية فيه، في حين سيكون الطابق الرابع عبارة عن مطلة لمراقبة المنطقة، ومحطة نزول للركاب اليهود والمستوطنين عندما يتم تهيئة "القطار الهوائي" التهويدي الذي يبدأ من غربي القدس وصولًا لحائط البراق.
ويوضح أن سلطات الاحتلال تعمل على تغيير الوضع القائم في حائط البراق، والذي يخضع للوصاية الأردنية، كغيره من المقدسات، ما يشكل انتهاكًا لهذه الوصاية.
وترصد حكومة الاحتلال ميزانيات ضخمة لأجل بناء الكنس والمباني التهويدية والأنفاق سواء تحت المدينة المحتلة أو فوقها، وحتى في محيط المسجد الأقصى، لأجل إخفاء المعالم العربية وحجب الرؤية عن المسجد المبارك وطمس هويته.
وبحسب أبو دياب، فإن الاحتلال يعمل ضمن استراتيجية ممنهجة لعزل الأقصى وإطباق الخناق عليه من خلال بناء الكنس والمباني التوراتية، محاولًا إعادة صياغة تاريخ مزور يتلاءم مع الروايات التلمودية المضللة على حساب الرواية الفلسطينية الحقيقية.
وتعتبر الكنس أداة من أدوات الاستيطان الأيدلوجي الديني في محيط المسجد الأقصى لأجل عبرنته، وتغيير واقعه التاريخي ووجه الحضاري ومسح الرواية العربية، كخطوة تسبق محاولات تهويده من الداخل وإقامة "الهيكل" المزعوم.
ويشير إلى أن الاحتلال يعمل بكل الوسائل على تدمير وإخفاء كل ما له علاقة بتاريخ المدينة العريق، وفرض تاريخ مزور ومستحدث عليها لإغلاق الأفق في محيط الأقصى وجعلها مدينة ذات معالم مُشوه.
ويؤكد أن إقامة مثل هذه المباني التهويدية تستهدف تسهيل وصول اليهود والمستوطنين للأقصى، وتنفيذ اقتحاماتهم بشكل دائم، بالإضافة إلى تغيير الوضع القائم بالمنطقة القريبة من المسجد.
خنق الأقصى
وأما رئيس أكاديمية الأقصى للوقف والتراث الشيخ ناجح بكيرات يقول إن كل ما يقوم به الاحتلال من مشاريع ومباني تهويدية تستهدف المسجد الأقصى ومحيطه يهدف إلى خلق واقع جديد، ومحاصرة المسجد وخنقه من جميع الجهات.
ويوضح بكيرات في حديث لوكالة "صفا" أن الاحتلال يسعى إلى خلق رؤية بصرية جديدة لمدينة القدس وجعلها ذات قداسة يهودية لمشروع "الدولة اليهودية"، وذلك من خلال إقامة المدارس والكنس الدينية التوراتية، والأبنية العالية.
ويضيف أن الاحتلال يسعى منذ احتلاله المدينة أيضًا، إلى تغيير هويتها وتهويد كل شيء فيها، مستهدفة البشر والحجر، وخلق راوية جديدة لتقديمها على أنها عاصمة يهودية.
أ ك/ر ش