يوافق، يوم الإثنين، 12 سبتمبر/ أيلول 2022، الذكرى الـ17 لاندحار آخر جندي إسرائيلي عن قطاع غزة.
وانسحب الاحتلال بجنوده ومستوطنين من القطاع بفعل الضغط الذي مارسته المقاومة، ولاسيما بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وما عُرف بحرب الأنفاق التي استهدفت خلال السنتين اللتين سبقتا الانسحاب، مواقع حصينة للجيش داخل القطاع.
ورفعت عمليات المقاومة الكلفة الأمنية على حكومة الاحتلال، ودفعها للهروب تحت مُسمى خطة "فك الارتباط" التي أعلن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي أرئيل شارون.
وفي منتصف أغسطس/ آب 2005، بدأت "إسرائيل" بإخلاء مستوطناتها من قطاع غزة، في حدث تاريخي، إذ لم يسبق أن أخلت أرضًا تستولي عليها منذ احتلالها فلسطين التاريخية عام 1948.
واحتلت "إسرائيل" قطاع غزة عام 1967، وظلت مسؤولة عن إدارته حتى مجيء السلطة الفلسطينية عام 1994، فأسندته للسلطة، فيما أبقت على قواتها في مجمعات ومستوطنات مركزية داخل القطاع، كان يسكن فيها نحو ثمانية آلاف مستوطن.
واندحر الاحتلال من 21 مستوطنة كانت تحتل 35,910 دونمًا من مساحة قطاع غزة، الذي لا تتعدى مساحته نحو 360 كيلومترًا مربعًا.
وكان تجمع "غوش قطیف" وحده يضم 15 مستوطنة، يعيش فيه نحو خمسة آلاف مستوطن.
وأقيمت أول مستوطنة في قطاع غزة وهي "نیتسر حازاني" عام 1976، فيما أُنشأت آخر ثلاث مستوطنات صغيرة عام 2001 بعد اندلاع انتفاضة الأقصى.
وما أن بدأت عملية الانسحاب حتى أخذ جنود الاحتلال والمستوطنون يهدمون مستوطناتهم ويفجرونها، كي لا يتركوا وراءهم غنائم أو مبان صالحة للسكن، وتم تدمير 2000 منزل و26 كنيسًا.
وشملت خطة الانسحاب أيضًا 4 مستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، وهي: "جانيم، كديم، حومش وسانور".
وبعد الانسحاب، خرج آلاف الفلسطينيين في ذلك الوقت ابتهاجًا، بعد 38 عامًا من احتلال الشريط الساحلي الصغير.
وبحسب مراقبين؛ شكّل الانسحاب عن القطاع نقطة تحول كبيرة في تطور أداء المقاومة وسلاحها، واتساع معركتها مع الاحتلال.
ورغم مرور سنوات على الانسحاب، إلا أن ممارسات الاحتلال العدوانية ما زالت مستمرة بحق القطاع وسكانه، من خلال فرض الحصار الذي أدى لانهيار العديد من القطاعات، ومواصلة اعتداءاته بأشكال مختلفة، فاقمت من معاناة أبناء القطاع.
وبعد مرور 17عامًا على الاندحار من غزة، لم تنجح محاولة "إسرائيل" بالهروب من الموت أمام ضربات المقاومة، بل باتت اليوم تعيش واقعًا أكثر تعقيدًا؛ بعدما باتت صواريخ المقاومة تضرب "تل أبيب" والقدس ويغطي مداها كامل فلسطين.
خلاف إسرائيلي
وتباينت آراء قادة الانسحاب الإسرائيلي من تلك العملية المعقدة، ما بين مؤيد حتى اليوم ومعارض لانعدام الجدوى وتحول القطاع إلى "برميل بارود كبير".
وجاء في مقابلات سابقة مع عدد من قادة الاحتلال، وترجمتها وكالة "صفا"، أنّ رئيس حكومة الاحتلال آنذاك "آريئيل شارون" استفرد بقرار الانسحاب، وكان مصرًا عليه على الرغم من كونه أحد عرّابي المشروع الاستيطاني إبان الاحتلال عام 1967م.
وادّعى قائد أركان جيش الاحتلال في حينها موشي يعلون أنّه عارض الانسحاب من غزة، لكنّه لم يكن قادرًا على التعبير عن رأيه "كونه لم يكن جزءًا من متخذي القرار، الذي استفردت به الجهة التنفيذية".
وبرر يعلون معارضة بخشيته من سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على قطاع غزة والضفة الغربية، زاعمًا أنّه كان يتوقع سقوط الصواريخ على "تل أبيب" ومنطقة وسط الكيان وأنّ ذلك "كان واضحًا كالشمس".
من جانبه، قال رئيس جهاز "الشاباك" في حينه آفي ديختر إنّ تحفظه الوحيد على الانسحاب من قطاع غزة كان إخلاء محور "فيلادلفيا" (صلاح الدين) على الحدود الفاصلة بين غزة ومصر.
وقال: "هذه المنطقة بمثابة الروح لمسلحي القطاع، إلا أن ثمن البقاء هناك كبير؛ إذ كان لمشاهد الجنود، وهم يبحثون عن أشلاء رفاقهم على الحدود مع سيناء بعد تفجير ناقلة الجند ومقتل 6 من عناصرها، بالغ الأثر في قرار الانسحاب".
وفي السياق، اعترف رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال حينها "زئيفي فركش" أنّ الانسحاب جاء في ظل صعوبة حماية 8 آلاف مستوطن في القطاع، وتحوّل المستوطنات إلى بؤر للموت في ظل العمليات الفلسطينية.
أما المحلل العسكري الشهير ألون بن دافيد فقال إنه وعلى الرغم من أن الانسحاب جاء للتخلص من المعضلة الأمنية والعسكرية التي شكلها القطاع على الجيش والمستوطنين إلا أن الواقع أصبح أكثر تعقيداً فقد باتت الصواريخ تهدد تل أبيب بدلاً من الغلاف وحتى أبعد من ذلك.
وأكد بن دافيد أن "سلسلة من العمليات الدموية سرعت في العملية، إذ قُتل 13 جنديًا عبر تدمير ناقلتي جند في القطاع قبل عام من الانسحاب".