لم تتوانَ بلدية الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس المحتلة عن سياستها الممنهجة في تهويد وطمس المعالم العربية والإسلامية في المدينة، وصبغ شوارعها وأحيائها بطابع يهودي مُزور، كي تبدو لكل من يزورها ويُشاهدها كأنها مدينة يهودية غريبة عن عروبتها وهويتها الإسلامية.
وتستهدف سلطات الاحتلال أهم وأبرز شوارع القدس، تلك التي تشكل مركز الحياة فيها، كونها من الطرق التجاريّة الحيويّة والملاصقة للبلدة القديمة من الناحية الشمالية، بغية تهويدها وتغيير طابعها وحضارتها العريقة تحت حجة "التطوير والتجديد".
ومن أهم الشوارع التي يطالها التهويد، شارعي السلطان سليمان والأنبياء الواقعان شمال سور البلدة القديمة، ويشكلان الامتداد الطبيعي للتواجد العربي والإسلامي والمسيحي في المدينة المحتلة، إذ احتفت بلدية الاحتلال بمواصلتها تغيير وطمس معالمهما.
ويقول رئيس بلدية الاحتلال موشيه ليون: إن" البلدية تعمل لتحسين مظهر الأماكن العامة في المركز التجاري الرئيس، من خلال إنشاء حدائق خضراء، وترميم واجهات المباني والمحال التجارية، وتغيير بلاط الأرضيات وأثاث الشوارع، وتركيب مظلات ملونة".
وشارع السلطان سليمان يمتد على الحد الشمالي المحاذي لأسوار البلدة القديمة من الخارج، يربط طريق أريحا شرق البلدة بطريق 60 السريع غربها، يلتقي به في نقطة تقع بين بابي العامود والجديد، سُميّ نسبةً إلى السلطان العثماني سليمان القانوني (1520-1566)، الذي يرجع اليه الفضل في تسوير البلدة القديمة على شكلها الحالي.
وتقع على الشارع عدة معالم تاريخية وأثرية، منها متحف فلسطين للآثار (روكفلر)، مغارة سليمان، مدرسة الراشدية الثانوية، محطة باصات السلطان سليمان، مقبرة الساهرة، وكلية شميدت الألمانية للبنات.
وأما شارع الأنبياء، الذي يمثل جزءًا مهمًا من تاريخ المدينة المقدسة، فيمتد نحو كيلومتر طولًا من ساحة ميدان باب العامود شمالًا ليخترق الخط الوهمي ما بين شرق القدس وغربها، وينتهي بميدان يسمى "ديفدكا" هو عبارة عن تقاطع شوارع مهمة غربي القدس.
صياغة التاريخ
وضمن ما سمته "تطوير البنية التحتية"، تواصل بلدية الاحتلال العمل على تغيير معالم الشارعين وإنشاء مناطق للجلوس، إضافة لتجديد ساحة شركة الكهرباء في شارع صلاح الدين الأيوبي، وبناء جادة على طول شارعي السلطان سليمان والأنبياء، وتحويل مساحات المدينة الحالية إلى مساحات مخصصة للمشاة وزرع أشجار.
ولم تتوقف سلطات الاحتلال يومًا عن مخططها لفرض وقائع جديدة على مدينة القدس، والعمل على إعادة صياغة تاريخها وهويتها العربية بما يتلاءم مع رواياته التلمودية. كما يقول الباحث المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب لوكالة "صفا"
ويوضح أن الاحتلال يستهدف أهم المواقع وأبرز الشوارع في المدينة لتهويدها وتغيير طابعها، باعتبارها تشكل عصب الحياة ومركزها الأساس، وهي الموصلة لأهم معلم أثري معماري يتمتع بمكانة استراتيجية في المدينة، وهو باب العامود.
ويشير إلى أن العمل ما يزال متواصلًا بشكل كبير ومتسارع في شارعي السلطان سليمان والانبياء، عبر إعادة تأهيل البنية التحتية وتغيير مسمياتها وعبرتها، ووضع بصمات تهويدية ولافتات بأسماء توراتية في تلك المنطقة، وزرع مراكز أمنية ونصب كاميرات المراقبة.
ويبين أن العمل، الذي يستمر لعدة أشهر، يبدأ من منطقة المصرارة- شارع الأنبياء ليتصل بباب العامود وشارع السلطان سليمان ويتقاطع مع شارع صلاح الدين الأيوبي حتى باب الساهرة.
دلالات رمزية
وبحسب أبو دياب، فإن الاحتلال يعمل وفق خطط واستراتيجيات طويلة تستهدف محو هوية القدس وثقافتها، لأن أهم ما يميزها هذه الشوارع والمواقع التاريخية والأثرية الهامة والموصلة للبلدة القديمة والمسجد الأقصى، لما تحمله من دلالات رمزية تدلل على عروبتها وهويتها الإسلامية.
وتسعى بلدية الاحتلال لوصل شوارع صلاح الدين والأنبياء والسلطان سليمان مع الجزء الغربي لمدينة القدس، ومسح "خط التماس"، بهدف تسهيل وصول المستوطنين للمدينة.
ويوضح أن "بلدية الاحتلال تحتفي بما حققته من إنجاز في تهويد وعبرنة تلك الشوارع، لأنه هدفها الرئيس طمس وتغيير هوية القدس وطابعها".
ويؤكد الباحث المقدسي أن استمرار الاستهداف الإسرائيلي لشوارع القدس يهدف أيضًا لمسح الذاكرة الفلسطينية والعربية، ورسم ملامح وتاريخ جديد لها يتوافق مع المخططات والروية الاحتلالية.