كانت الأشهر التي مرت من عام 2022 الأثقل على المسجد الأقصى المبارك منذ احتلال مدينة القدس عام 1967، بفعل تصاعد اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي و"جماعات الهيكل" المزعوم ومخططاتهم، الرامية لفرض الطقوس التوراتية العلنية في المسجد، والتعامل معه بوصفه "هيكلًا قائمًا"، وصولًا لنزع القدسية الإسلامية عنه.
ومع كل انتخابات إسرائيلية جديدة للكنيست تتخذ تلك المخططات والاعتداءات منحى تصاعديًا خطيرًا وغير مسبوق في سياق المنافسة بين الأحزاب الإسرائيلية، تمهيدًا لتهويد المسجد الأقصى بالكامل.
ولم تمر محطة عدوان واحدة على الأقصى، إلا وفرضت الجماعات المتطرفة شكلًا جديدًا من الطقوس التوراتية فيه، وهذا ما تجسد يوم 29 مايو/ أيار 2022 حينما أدى عشرات المستوطنين "السجود الملحمي" بالمسجد، بحماية مشددة من شرطة الاحتلال، في استعرض واضح للطقوس التوراتية الجماعية داخله.
وعلى مدى سنوات العدوان المتصاعد على المسجد الأقصى، كان موسم الأعياد اليهودية من رأس "السنة العبرية"، مرورًا بـ "عبد الغفران"، وصولاً إلى "عيد العُرُش" التوراتي يُشكل أعتى مواسم العدوان على الأقصى، ومحطة انفجار للأوضاع والمواجهات، كما يقول المختص في شؤون القدس زياد إبحيص.
عدوان غير مسبوق
وتستعد "جماعات الهيكل" لتنفيذ سلسلة من البرامج التهويدية واقتحامات واسعة للمسجد الأقصى، بمناسبة موسم الأعياد الذي يبدأ بتاريخ 26 أيلول/ سبتمبر الجاري، ويستمر حتى تشرين أول/ أكتوبر القادم.
ويوضح ابحيص أن موسم الأعياد يجري التحضير له ليكون ذروة موجة أعتى عدوان على الأقصى في عام 2022، و"إذا ما وضعنا في الاعتبار الانتخابات الإسرائيلية في 1-11-2022، فإن هذا العدوان سيستعِر أكثر بسباق المزاودات الانتخابية بين اليمين المتطرف وشقيقه الأكثر تطرفًا".
ويضيف "إذا ما أدركنا أن فرض الطقوس التوراتية في الأقصى كان ضمن الأجندة المركزية للحكومة واليمين المتطرف في المسجد المبارك على مدار ثلاث سنوات خلت، فإن استعراض هذه الطقوس والتعامل مع الأقصى، باعتباره هيكلًا قائمًا؛ سيكون في قلب هذا العدوان المرتقب".
وتستغل المنظمات المتطرفة، التي تتبنى فكرة هدم الأقصى وإقامة "الهيكل" فوق أنقاضه، موسم الأعياد في التحريض على تنفيذ المزيد من الاقتحامات للأقصى وزيادة أعداد المقتحمين وساعات الاقتحام، وفرض واقع جديد فيه وتحقيق قفزات نوعية في مخطط التقسيم المكاني والزماني للمسجد.
ويبدأ موسم الأعياد اليهودية اعتبارًا من يومي الاثنين والثلاثاء الموافقين 26 و27 أيلول/ سبتمبر الجاري، بعيد "رأس السنة العبرية"، وتسعى "جماعات الهيكل" فيه إلى "نفخ البوق" عدة مرات في المسجد الأقصى، وفعلت ذلك العام الماضي بعيدًا عن أعين الكاميرات.
وبهذا العيد تبدأ "أيام التوبة" التي يحرص فيها المتطرفون على اقتحام الأقصى بأعداد كبيرة وبـ"لباس التوبة" الأبيض أو "لباس طبقة الكهنة"، بهدف تكريس حضور "إمامة يهودية" للمسجد تقود الطقوس التوراتية بموازاة الأئمة المسلمين.
وفي 5 أكتوبر/ تشرين أول المقبل، يبدأ "عيد الغفران" العبري، وتحرص الجماعات المتطرفة فيه على محاكاة طقوس "قربان الغفران" في المسجد الأقصى، والنفخ في البوق والرقص في كنيسهم الواقع داخل المدرسة التنكزية في الرواق الغربي للأقصى بعد أذان المغرب مباشرة.
ويتخلل هذا العيد فرض حصار مشدد على المسجد الأقصى، ونصب للحواجز العسكرية على أبوابه وفي البلدة القديمة، وتضييق احتلالي على دخول الفلسطينيين للمسجد، في مقابل تأمين اقتحامات المستوطنين للمسجد المبارك، وأداء طقوسهم التلمودية فيه.
أما "عيد العرش"، فيبدأ من يوم الاثنين الموافق 10 أكتوبر ويستمر لمدة أسبوع، ويحرص المقتحمون خلاله على إدخال "القرابين النباتية" إلى الأقصى.
وبحسب المختص في شؤون القدس، فإن جماعات الهيكل تُجري سباق أعداد سنوي للوصول إلى رقم قياسي للمقتحمين على مدى أيام العرش، وتشكر مع نهاية العيد شرطة الاحتلال، وتستعرض "هيمنتها" على الأقصى، وتهميشها حضور الإدارة الإسلامية، متمثلة بالأوقاف الأردنية.
ظروف عصيبة
وتشكل الأعياد اليهودية وبالًا على المسجد الأقصى، لما تشهده من زيادة بالاقتحامات والاعتداءات الإسرائيلية، التي تكون أشد عنفًا وانتهاكًا لحرمته وقدسيته، وتدنيسًا لساحاته، كما يقول الخبير في تاريخ القدس والمسجد الأقصى جمال عمرو لوكالة "صفا".
ويوضح أن المسجد الأقصى يمر بظروف عصيبة، ويتعرض لأعتى هجوم إسرائيلي غير مسبوق يستهدف آثاره وتاريخه وحجارته وحضارته العريقة، بالإضافة إلى المرابطين والمرابطات.
ومع اقتراب الأعياد اليهودية، ينتظر الأقصى، وفقًا لعمرو، مزيدًا من الظلم والاعتداءات والمخططات التهويدية، وتكثيف الاقتحامات وزيادة أعداد المستوطنين المقتحمين وفرض الطقوس والصلوات التوراتية، ناهيك عن التنكيل بالمصلين والمرابطين والحراس والاعتداء عليهم، وإبعادهم عنه بالقوة.
ويتابع أن "الأقصى ينتظر الأسوأ، لأن قوات الاحتلال ومنظماتها المتطرفة تزداد تغولًا وغطرسة بحقه، وتمارس أعتى أصناف العدوان عليه، في ظل صمت عربي وإسلامي مريب، وغياب للوصاية الأردنية ودور دائرة الأوقاف الإسلامية".
ويناشد عمرو الأمة العربية والإسلامية بضرورة التدخل العاجل وتحمل بمسؤولياتها لإنقاذ المسجد الأقصى قبل فوات الأوان، وأن يكون هناك يقظة وتعبئة شاملة لأجل العمل على إنهاء الاحتلال، وبدء الإعداد ليوم تحرير القدس والأقصى من المحتل.