بعد مضي نحو 5 أعوام على انضمام فلسطين للبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب في العام 2017، أصدر الرئيس محمود عباس في مايو/ أيار الماضي قرارًا بقانون بشأن إنشاء "الهيئة الوطنية لمناهضة التعذيب".
لكنه لم يلق الترحيب المنتظر من جانب المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والدولية، مبديةً اعتراضات عليه.
ففي بيان مشترك وقعت عليه 26 منظمة مجتمع مدني، قالت إنه رغم الحوار المكثف معها لعدة سنوات، والذي أكد أهمية استقلالية الهيئة لتكون فعالة، فإن القانون الصادر على عجل يجرد الآلية من أي درجة من الاستقلال الفعلي.
ودعت المؤسسات الحقوقية والشخصيات القانونية والاجتماعية إلى عدم المشاركة في عضوية الآلية وفق الصيغة الحالية.
بدورها، طالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بإلغاء مرسوم إنشاء الهيئة وطرح قانون جديد ينشئ هيئة مستقلة تمامًا، بما يتماشى مع البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب.
وطالبت بأن يعمل فيها موظفون قادرون على العمل بشكل مستقل عن الحكومة وتنفيذ عمليات تفتيش مفاجئة لمواقع الاحتجاز المعروفة والمشتبه بها، الرسمية وغير الرسمية، والتحقيق في شكاوى انتهاكات الأجهزة الأمنية، ومتابعة هذه الشكاوى في المحاكم المدنية، والاحتفاظ بسجل علني للشكاوى الواردة والتحقيقات والنتائج.
وحتى الآن؛ لم يتم تشكيل الهيئة ولم تباشر عملها، بعد أن قدمت المؤسسات الحقوقية تحفظاتها وملاحظاتها مكتوبة للحكومة للرد عليها.
لا يلبي الطموح
من جانبه، قال مدير مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية "حريات" حلمي الأعرج لوكالة "صفا" إن مؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها الحقوقية، رفضت القرار بقانون، وطالبت بإلغائه والعودة لمخرجات الحوار التي تم التوافق عليها.
وأضاف "جرت نقاشات معمقة وموضوعية بمشاركة المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية ووزارة الداخلية، وتوصلنا لتفاهمات مرضية لكل الأطراف، لكن عند إقرار الآلية لمسنا أنها لم تلبّ طموحنا ووجهة نظرنا".
وأوضح أنهم عبروا، خلال اجتماع موسع مع وزير الداخلية، عن رفضهم للقرار بقانون، وقدموا مقترحاتهم، ثم قدموا لاحقا وجهة نظر مكتوبة نيابة عن مؤسسات المجتمع المدني.
وقال: "أُبلغنا أن المقترح موضوع على طاولة مجلس الوزراء لإقراره، وننتظر ردًا بإجراء التعديلات المطلوبة بما يكفل أن تكون الآلية مستقلة، سواء في تسمية أعضاء الهيئة أو استقلاليتها المالية".
وأوضح أن القرار بقانون اعتبر الآلية الوطنية مؤسسة دولة وهيئة حكومية تنطبق عليها القوانين والتشريعات ذات الصلة بالمؤسسات الرسمية، واعتبر رئيس الهيئة ونائبه والعاملين فيها موظفين رسميين ينطبق عليهم قانون الخدمة المدنية.
ويجعل الأمر الآلية هيئة حكومية كاملة، ويضرب استقلاليتها، بما يخالف التزامات فلسطين بخصوص الانضمام للبروتوكول الإضافي التي تتطلب أقصى درجات الشفافية الاستقلالية، وفق الأعرج.
وقال إن الآلية المقترحة من جانبهم لاختيار أعضاء الهيئة هو ذات النهج في اختيار مفوضي الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، إذ يكون الاختيار بناء على معايير موضوعية كالكفاءة والنزاهة، وليس بناء على توجهاتهم السياسية.
وأكد أن كون الهيئة تابعة للجهات الرسمية يعني أنها لن تخرج عن النص وأن آلية عملها ستكون مشلولة.
وبين أن هناك فرقا بين أن يتم اختيار ممثلي المجتمع المدني من وزير الداخلية أو أن ترشح مؤسسات المجتمع المدني ممثليها بنفسها.
قرار صدر بليل
من جانبه، قال مدير مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس" عمر رحال لوكالة "صفا" إن القرار بقانون "صدر بليل" ولم يأخذ بعين الاعتبار مخرجات المشاورات التي جرت مع المجتمع المدني ولا بالملاحظات التي أبدتها تلك المؤسسات.
وأكد أن الهيئة لن تتمتع باستقلال مالي أو إداري حقيقي، بل إن هناك سطوة للسلطة التنفيذية عليها من خلال إعطاء صلاحية التعيين فيها لرئيس السلطة وبتوصية من الحكومة، بما يضمن أن تكون تقاريرها منسجمة مع توجهات السلطة.
وأضاف "لا تريد السلطة أن تتمتع الهيئة باستقلالية إدارية ومالية كاملة وإنما أن تكون خاضعة لسيطرتها، وبهذا فإن من يعمل بهذه الهيئة سيأخذ بالاعتبار أنه معرض للإقالة إذا انتقد السلطة".
وبين أن المطلوب هو آلية وطنية لها علاقة بالأمم المتحدة، "لكن السلطة تريدها لجنة وطنية حكومية".
وأشار لوجود ملاحظات للمجتمع المدني على مدى انسجام الهيئة مع الآلية الدولية والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، واستثناء المجتمع المدني من عضويتها، واقتصار العضوية على أشخاص مقربين من السلطة، متسائلاً "كيف للسلطة أن تحاسب ذاتها؟".
وأضاف أن "المجتمع المدني يطالب أن تكون الهيئة مستقلة بشكل كامل، وألا يكون هناك تدخل من السلطة التنفيذية في قراراتها، وأن تكون منسجمة مع الآلية الدولية، وأن تكون توصياتها ملزمة للجميع.
وطالب الأعرج أن تضم الهيئة في عضويتها المجتمع المدني والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ونقابة المحامين وشخصيات أكاديمية وخبراء مستقلين، وأن يكون هناك مشاورات مع المجتمع المدني حول طريقة تشكيلها.
وأكد أن المفاوضات بين المجتمع المدني والحكومة أوقفت، وهناك مقاطعة للحكومة في الملف.