web site counter

كيف فاقم التطبيع جرائم الاحتلال بحق الأقصى؟

القدس المحتلة - خــاص صفا

كانت قضية القدس تحتل صدارة القضايا العربية والإسلامية، باعتبارها قضية مركزية ومحورية، حظيت على مدار سنوات طوال بالدعم والاهتمام، وحضرت في الحراك الشعبي العربي، لكن مع انطلاق مسار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، بدأ الدعم يتراجع شيئًا فشيئًا؛ الأمر الذي شجّع الاحتلال على زيادة التغول على المدينة ومسجدها الأقصى.

ويرى محللون ومختصون بشؤون القدس أن هرولة بعض الأنظمة العربية نحو التطبيع مع الاحتلال، وتوقيع ما يُسمى بـ"اتفاقيات أبراهام" شجعه على زيادة اعتداءاته وجرائمه بحق القدس والأقصى بشكل غير مسبوق، ومنحه شرعية زائفة في المدينة، ساعدته على المضي قدمًا نحو تحقيق أطماعه التهويدية والاستيطانية، لإثبات أنها "عاصمته الموحدة".

وأجمع هؤلاء في أحاديث منفصلة لوكالة "صفا"، على أن "التطبيع شكل انهيارًا أخلاقيًا وسقوطًا نوعيًا صبّ بالكامل في مصلحة الكيان الإسرائيلي، بما يعني التخلي عن الشعب الفلسطيني ومعاناته المستمرة، والارتماء في أحضان المحتل، وتقديم الدعم والعون له بشكل مباشر أو غير مباشر".

حسم القضية

رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي يقول إن اتفاقيات التطبيع وتراجع الدعم العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية أسهما بشكل كبير في زيادة الإجرام والتغول الإسرائيلي على الأقصى والقدس.

ويرى الهدمي، في حديث لوكالة "صفا"، أن "الشعب الفلسطيني بعد نهوض المقاومة ونفض غبار اتفاق أوسلو، وصل لقناعة أن الفرصة بات مواتية لاستعادة الحقوق، فيما يرى الاحتلال من جهة أخرى، بالضعف العربي والإسلامي وابتعاده عن القضية الفلسطينية فرصة مواتية لحسم كل شيء، من حيث تكثيف الاستيطان، والسيطرة على الأقصى، وتهويد القدس".

ويضيف "رغم أن الولايات المتحدة أعطت شرعية للاحتلال في القدس، إلا أن هذه الخطوة لم تكفِ، فكان التوجه نحو التطبيع العربي وفضح العلاقات التي كانت تتم سابقًا بشكل سري، حتى أصبحت اليوم علنية، والعمل على تطويرها من أجل دمج هذا الاحتلال في المجتمعات العربية".

لذلك عملت الأنظمة العربية، كما يوضح الهدمي، على محاربة كل أشكال الدعم، لتثبّت هذه الخطوة حتى تُؤتي ثمارها، مضيفًا "رأينا الدول المطبعة تزيد من قمعها لشعوبها وتمنعها من التضامن مع الشعب الفلسطيني والقدس، ورأينا كيف تُحارب العديد من المؤسسات التي تدعم الأقصى".

ويوضح أن هذا يأتي في سياق إعطاء شرعية للاحتلال، وحسم القضية، وهو ما أدى إلى تراجع الدعم الشعبي، الذي أصبح يخشى من العقوبات وتنكيل الأنظمة به.

ويشير إلى أن تبني الدول المطبعة للرواية الإسرائيلية عبر ما يجري في المسجد الأقصى، وما سميت بـ"الديانة الإبراهيمية"، التي رسخت "حرية العبادة" في المسجد، شجع الاحتلال أيضًا على التمادي بإجراءاته العنصرية.

ومن وجهة نظر الهدمي، فإن "الواقع الفلسطيني المنقسم، وفساد السلطة في رام الله، وتصريحات بعض قيادتها بشأن الاحتلال، والتي تُعد تساوقًا واعترافًا به، كلها أسباب أدت لتراجع الدعم العربي لقضية القدس".

جرائمٌ عير مسبوقة

أما المحلل السياسي راسم عبيدات فيرى أن التطبيع أسهم في زيادة جرائم الاحتلال بحق المسجد الأقصى، من خلال تكثيف اقتحامات المستوطنين بشكل غير مسبوق، والتجرؤ لإقامة الطقوس والشعائر التلمودية العلنية، بما في ذلك "السجود الملحمي" في ساحاته.

ويضيف أن "التطبيع شجع الاحتلال على محاولة تكريس التقسيم الزماني والمكاني بالأقصى، في إطار محاولة ترويض العقل العربي وقبول ما يقوم به من إجراءات عنصرية بحق المسجد".

ويتابع أن "ما يجري على الأرض من وقائع احتلالية أصبح مقبولًا عند العديد من دول النظام الرسمي العربي فيما يتعلق بالأقصى، بمعنى قبول الرواية اليهودية المتعلقة بأن لهم الحق في أداء طقوسهم التلمودية داخله".

ومن وجهة نظره، فإن الصمت العربي وعدم إدانة جرائم الاحتلال والاعتداء على المرابطين والمرابطات، وعدم اتخاذ أي مواقف جدية حتى من المؤسسات الرسمية مثل جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وعدم محاسبة "إسرائيل" على هذه الجرائم، كلها مؤشرات شجعته على زيادة التغول واستباحة الأقصى.

ومثال على ذلك، كما يقول عبيدات، "ما حدث في 29 مايو/ أيار الماضي من اقتحامات للأقصى ورفع للعلم الإسرائيلي وأداء رقصات وطقوس تلمودية في باحاته، أثبتت أن النظام العربي الرسمي كان في حالة سبات عميق، لذلك فإن كل ما يجري يأتي نتيجة النفوذ العربي والزيارات التطبيعية للمسجد التي تتم عبر بوابة الاحتلال وتحت حراسته".

ويضيف "لذلك فإن القبول بالمنطق الإسرائيلي هو الذي يُشجع الاحتلال على تكثيف عدوانه على الأقصى وتماديه في مخططاته التهويدية، وحتى بعض الأقطاب العربية في الأمم المتحدة امتنعت عن التصويب ضد الاحتلال".

وعن أسباب تراجع الدعم العربي والإسلامي لقضية القدس، يقول عبيدات: إن" ذلك يرجع إلى انهيار النظام العربي الرسمي على المستوى القيادي، إذ باتت بعض الدول معنية بالدفاع عن عروشها ومصالحها الخاصة، بالإضافة إلى انخراط دول عربية وإسلامية بالمشروع المعادي لشعبنا الفلسطيني، والذي يتنكر لحقوقه ونضالاته".

ويُكمل حديثه قائلًا: إن "الوضع والموقف الداخلي الفلسطيني المنقسم والضعيف، وعدم وجود ردود فلسطينية ترتقي لمستوى ما يتعرض له الأقصى، ووجود قيادة ترتقي لمستوى التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني عامةً، وقضية الأقصى خاصةً، دفع كذلك باتجاه تراجع الاهتمام الإسلامي بتلك القضية لصالح قضايا أخرى".

الدعم العربي

أما الباحث والمتخصص في علوم القدس والمسجد الأقصى عبد الله معروف فيقول: "لاشك أن عملية التطبيع وما يُسمى باتفاقيات أبراهام ساعدت الاحتلال بشكل كبير على الاستهانة أكثر بالدعم العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية، وعلى رأسها قضية المقدسات، وخاصة الأقصى".

ويضيف لوكالة "صفا"، أن "الاحتلال أصبح يُعول من خلال التطبيع على برود دعم الدول المطبعة لصالح القضية الفلسطينية والمقدسات، ويُعول أيضًا على الأصوات التي تدعم هذه الاتفاقيات، وتحاول التقليل من أهمية قضية القدس، باعتبارها تشكل حاجزًا نفسيًا وطبيعيًا بين تلك الاتفاقيات وقضية الأقصى".

وبرأي معروف، فإن "الاحتلال يُعول بشكل كبير على أصدقائه الجدد من هذه الدول، والذين يظنون أن دعم اتفاقيات التطبيع يمر عبر الاصطفاف معه في مواجهة قضية بحجم قضية الأقصى".

ورغم أن التطبيع أثر إلى حد ما على نوعية الدعم الرسمي العربي والإسلامي تجاه قضية القدس والأقصى، لكنه لم يُؤثر على التصاق الشعوب العربية بقضية الأقصى، إذ فشلت الدول المطبعة في محاولاتها لتغيير الوعي العربي والإسلامي تجاه القدس على المستوى الشعبي، وفق معروف.

أ ج/ر ش

/ تعليق عبر الفيس بوك

تابعنا على تلجرام