منذ مطلع العام الجاري، نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي عشرات عمليات الاغتيال والاعتقال لمقاومين مطلوبين في مناطق عدة من محافظات الضفة الغربية المحتلة، تركزت في مدينتي جنين ونابلس شمالا.
وتكللت العمليات التي نفذتها القوات الخاصة والمستعربين بـ"نجاح كبير"، رغم تعرضها لمواجهات واشتباكات، إذ استطاع الاحتلال تنفيذ عمليات خاطفة وأخرى استمرت لساعات، وفي أغلب الحالات يتم اعتقال المقاومين أو اغتيالهم.
وعن ذلك، يقول المختص في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع إن الاحتلال يتبع نظام مراقبة ومتابعة متطورة جدًا، ويعتمد على النظام الرقمي والأقمار الصناعية، وتتبع الهواتف المحمولة والكاميرات المنتشرة في الشوارع، ويساعده في ذلك طائرات الاستطلاع من الجو.
ويوضح مناع لوكالة "صفا" أن المطاردين يكونون عادة في مناطق محصورة ومحددة جدا، مثل البلدة القديمة في نابلس ومخيم جنين وبعض القرى، حيث إن التطور الذي يمتلكه الاحتلال يسرع ويسهل التتبع والحركة.
لكن مناع يشير إلى إشكالية يقع فيها المقاومون في الضفة وهي عدم الاستفادة من تجارب الآخرين في بعض الأوقات، كالانطلاق من أماكنهم وتنفيذ عمليات على الحواجز وأطراف المدن، دون الالتفات إلى أنظمة الرقابة والمتابعة المتطورة ما يسهل رصدهم.
ويرى مناع أن عمر المجموعات العسكرية في الضفة ومصير المطاردين بات محصورًا بين الاعتقال والاستشهاد، نظرا للانعزال الجغرافي بين المناطق وسهولة عمل جيش الاحتلال في مناطق الضفة بعكس قطاع غزة.
ويشير المختص إلى رواج فكرة المقاومة بين صفوف الشبان واندفاعهم باتجاه الاشتباك المسلح مع الاحتلال من غير المطاردين، وهو ما جعل الاحتلال يستخدم القوات الخاصة والمستعربين باستمرار وتنفيذ عمليات خاطفة وسريعة لاعتقالهم أو اغتيالهم.
ويلفت مناع إلى تصاعد وتيرة عمليات إطلاق النار في الفترة الأخيرة تجاه قوات الاحتلال حتى عند عمليات الاعتقال العادية، ما جعل الاحتلال في حالة قلق غير مسبوقة.
ويرى بذلك تطورًا في المواجهة عن الحالة التقليدية؛ ما يفتح الباب أمام مرحلة مقبلة مشابهة للانتفاضة الثانية من ناحية المقاومة المسلحة.
تطور التقنيات
أما الكاتب في الشأن السياسي محمد القيق، فيقول إن الاحتلال بات الموزع الرئيس في الشرق الأوسط للتقنيات الأمنية والمعدات التكنولوجية الأمنية.
ويضيف القيق لـ"صفا" أن "الاحتلال يدرك أنه الرابح في معادلة الأمن القومي، ويدرك أن الضفة الساحة الأسهل من غيرها، نظرًا لانفتاحها أمام عملياته دون إسناد سياسي أو شعبي لحماية المقاومين أو حتى مماطلة في الاغتيال".
ويرى القيق أن "الاحتلال يضع الضفة في حالة مزدوجة، ويتعامل معها على أنها حكومة وسلطة في الشكليات ويشعر السلطة أنها سلطة، بينما على أرض الواقع يستخدم التنسيق الأمني والعربدة لتنفيذ عملياته داخل المناطق المصنفة "أ"".
ويلفت القيق إلى أن قدرات "إسرائيل" على تحقيق الأهداف في مثل هذه الأوقات "أمر طبيعي بالنظر للمعادلة القائمة وغاز البحر المتوسط الذي تسعى لاستخراجه دون التعرض للخطر، نتيجة التطورات الأمنية الميدانية سواء في غزة أو الضفة أو جنوب لبنان".
ويتابع "توقيت العمليات مهم جدا، بل إن الاحتلال سيزيد من البطش وعمليات الاقتحام للضفة وغزة وستمتد يده لجنوب لبنان في إطار تحقيق الأمن لاستخراج الغاز، دون أن يأبه لأية مجازر ترتكبها"، وفق قوله.
عقيدة الأجهزة الأمنية
ويتطرق إلى تقاعس الأجهزة الأمنية للسلطة عن حماية المدن بالتزامن مع عربدة الاحتلال، "إذ إن السلطة تريد الضفة هادئة وتهتم بالاقتصاد والسلام الاقتصادي، والاحتلال كذلك، ما يعكس حالة تناغم لمصلحة الطرفين على حساب القضية".
ويقول إن تغيير الحالة الأمنية في الضفة يكون بتغيير عقيدة الأجهزة الأمنية، بحيث تُبنى على أساس وطني وحدوي مقاوم، من خلال إعادة الكفاح المسلح لميثاق المنظمة الذي تندرج تحته اتفاقية أوسلو والسلطة، وغير ذلك فإن أجهزة الأمن "ستكون معيقا معنويا لحالة التحرير، نظرا لتكدس السلاح وملاحقتهم لشباب الفصائل والاعتقال السياسي".
ويرى القيق أن المشاكل المجتمعية وترهل القانون والنظام والأمن في محافظات الضفة هدر قدرة المنظومة الأمنية على حماية المقاومة.
ويشير القيق إلى أن المستوى السياسي يوجه الأجهزة لأن تكون الضفة هادئة، بحيث لا تصل حماس والفصائل للحكم، "وهذا يتناغم مع الاحتلال ونظرية حركة فتح في الإقصاء وحالة الاستفراد في مكنوزات وضرائب وحياة الشعب الفلسطيني"، على حد قوله.