راجعت "إسرائيل" نفسها في المخطط الذي وضعته لقرية وادي النعم في النقب الفلسطيني المحتل، والذي يقضي بإقامة "مدينة حضرية"، لكن إعادة النظر هذه، لن تكون أيضًا لصالح السكان، لأنهم "خارج الحسبة".
وأصدرت المحكمة المركزية الإسرائيلية في بئر السبع بالنقب المحتل يوم الإثنين، توجيهاتها للمجلس القُطري للتخطيط والبناء، لـ"إجراء مداولة أخرى حول المخطط العام لقرية وادي النعم في النقب".
جاء ذلك بعد موافقتها على التماس مقدّم باسم اللجنة المحلية للقرية، التي أكد المحامون الملتمِسون عنها، أن "سلطات الاحتلال قامت على مدار سنوات بالدوس على سكانها، بواسطة قرارات خاطئة وغير مرتكزة إلى الوقائع".
وجاء في الحكم أن "قضية مساحة الحدود البيئية الواردة في المخطط، والتي تبعد اليوم 5 كيلومترات عن مفترق "ناؤوت حوفاف"، وتحول دون إنشاء أو التسوية القانونية للمنازل السكنية في هذا الحيز، هي قضية هامة، تؤثر على الكثير من السكان القاطنين في منطقة نفوذ المخطط".
وكانت كل من جمعية "حقوق المواطن" و"بمكوم" قدمتا قبل نحو عامين، معارَضةً للمخطط التفصيلي للقرية باسم السكان.
وبعد هذه المدة الطويلة، خرجت محكمة الاحتلال بتوجيهاتها اليوم التي تقضي "بإعادة النظر في المخطط".
ليست إعادة النظر "المقصودة"
لكن مُرّكِز لجنة التوجيه العليا لبدو النقب جمعة زبارقة يكشف لوكالة "صفا"، أن إعادة النظر المقصودة، لا تتضمن الحيلولة دون تهجير معظم سكان القرية، في مساحة قليلة على أطرافها.
ويقول زبارقة: "المخطط حينما وُضع أصلًا، لم يتم فيه مشاورة أهل القرية منذ أكثر من عامين، والالتماس مقدم منذ تلك الفترة، واليوم جاءوا ليعيدوا النظر، لكن ليس بالصورة التي نريدها نحن كفلسطينيين".
ويوضح أن سلطات الاحتلال حينما وضعت المخطط، اتضح بأنها تريد تجميع أكبر عدد من البدو، في أقل مساحة من القرية، فيما ستذهب باقي الأراضي لما تسمى "أراضي الدولة".
ويتضمن المخطط "تحديد حدود القرية، وفقًا لقيود بناء غير محدثة، وهذا ما من شأنه أن يؤدي إلى تهجير الكثير من السكان، ولن تسمح لهم بالحفاظ على نمط حياتهم الريفي".
وحسب زبارقة، فإن المخطط يلقى رفضًا واسعًا وشديدًا، لأنه لا يُعقل بأن يتم وضعه بعيدًا عنهم، هذا من حيث المبدأ، ومن ناحية أخرى فإنهم هم أصحاب الأرض وهم الذين من حقهم تحديد كيفية تطوير قريتهم.
ويتخذ الاحتلال من "إقامة بلدة حضرية" عنوانًا لمخططه الذي من ورائه تهجير لسكان القرية.
رفض واستبعاد السكان
وبالرغم من الاعتراض الذي قدمه سكان القرية، إلا أن ما تسمى اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء، قد رفضته، ورد رئيسها الطلب، وهو ما دفع إلى تقديم استئناف من الجمعيتين والسكان إلى المحكمة المركزية في بئر السبع.
وتُعد وادي النعم من أكبر القرى في النقب ويبلغ عدد سكانها 15 ألف نسمة، وهي تقع، جنوب غرب بلدة شقيب السلام، وقد أعلنت حكومة الاحتلال قبل عامين "اعترافها بها".
وتصنف "إسرائيل" ما يزيد عن 42 قرية فلسطينية في النقب بأنها "غير معترف بها"، فيما يعرف وسط سكان النقب بأنها "مسلوبة الاعتراف"، وتريد تهجير هذه القرى ومصادرة أراضيها لصالح مشاريع استيطانية.
وحسب زبارقة، فإن اللجنة اللوائية الإسرائيلية زعمت "بأن القيود المفروضة على البناء، والتي تنبع من الحاجة للحفاظ على مسافة من المصانع الموجودة في المنطقة الصناعية المسماة "ناؤوت حوفاف"، قد تمّ التحقق منها من خلال فحوصات حديثة.
إلا أنّه عند الكشف عن هذه الفحوصات تبين عن عدم تطابق نتائجها مع حدود المخطط التي تم ترسيمها على مسافة 5 كم من بوابة المنطقة الصناعية، بما من شأنه أن يقلّص المساحة المسموح البناء فيها بصورة كبيرة، وبدون مبرر، وبالتالي حرمان عائلات كثيرة التي تسكن هذه المنطقة من إمكانية تسوية مساكنهم في أماكن سكناهم الحالية في القرية.
وبسبب هذا التعارض، أصدرت محكمة الاحتلال توجيهاتها بإعادة النظر بالمخطط، عبر طاقم مشترك بين الوزارات لإعادة فحص قيود البناء وإمكانية تقليصها.
سيصطدم بـ "طبيعة الصراع"
وينوه زبارقة، إلى أن هذا الطاقم مشكل سابقًا، ولم يدرس أو ينجز أي من التوجيهات، واليوم يُراد إعادة النظر، لكن بالشكل الذي ترتئيه حكومة الاحتلال، وليس سكان القرية.
ورغم هذا، فإن المخطط لن يمر، لأنه "يصطدم باعتراض الأهالي على أرض الواقع، خاصة وأنهم غاضبون بسبب تعامل سلطات الاحتلال مع أراضي القرية، وكأنها أرض للتخطيط غير مقام عليها أحد".
ويضيف زبارقة "هذا ديدنهم ليس بالجديد، فهم يتعاملون مع كل مسطحات القرى والمدن التي يسكنها الفلسطينيون في النقب، وكأنها غير مسكونة، لذلك أجزم بأن المخطط لن تغير إعادة النظر فيه، هدف الاحتلال بتجميع الأهالي في أقل مساحة على أطرافها".
ويُجزم بأن التعارض في التخطيط بين سلطات الاحتلال وأهل القرية، وغيها من القرى المستهدفة بالنقب، يؤكد أن الصراع هو صراع على الأرض، من الجهتين.