لم يكن "السوار الإلكتروني" الذي قُيد به جسد الفتى مهدي أبو الحسن (18 عاماً) داخل منزله بمدينة أم الفحم بالداخل الفلسطيني المحتل عام 48، بالأقل فتكًا وتقييدًا لحريته من أقبية سجون الاحتلال التي خرج منها قبل أشهر.
وظهر أبو الحسن وهو يعيش فرحةً استثنائية خلال اللحظات الأخيرة لانتهاء الفترة المفروضة عليه بالقيد الإلكتروني "أساور يتم وضعها بقدميه لمنع حركته"، قبل أن تفكه شرطة الاحتلال من قيده.
وما إن فُك السوار عن قدمي أبو الحسن، حتى أخذ يقفز في فناء منزله فرحًا بحريته وعودة حركته خارج المنزل، بعد أن كان ممنوعًا من ذلك على مدار 4 أشهر.
لكن هذه الفرحة سبقها الكثير من "الألم والعذاب وتدهور الحالة النفسية له"، كما يقول أبو الحسن.
ويضيف "بعد الإفراج عني من السجن حولوني إلى القيد المنزلي، ووضعوا القيود الإلكترونية في قدمي، وحددوا عبرها حركتي حتى منتصف درج البيت.
ويؤكد أنه طوال القيد الإلكتروني انعكس على حالته النفسية وتواصله الاجتماعي، معتبرًا أنه "هو والسجن واحد".
و"الإسوارة الالكترونية" هي عبارة عن سوار يرتديه المعتقل في الجزء السفلي من كاحل القدم المطبق عليه الرقابة الإلكترونية، وفي حال إزالتها أو العبث بها أو تعدى المنطقة الجغرافية المصرح له بالتواجد بها تُرسل إشارة إلى المتابعة من شرطة الاحتلال، لمعرفة موقعه وإبلاغ أقرب دورية للوصول إليه.
دون ذرائع
وفي حال تجاوز الشاب المعتقل منزليًا، المساحة المسموحة لحركته داخل المنزل، يعطي الجهاز المركب بقدميه إشعارًا، ويتم فرض عقوبة عليه.
وكان أبو الحسن معتقلًا على خلفية أحداث ما بعد هبة الكرامة والاحتجاجات التي اندلعت في مدينة أم الفحم، دفاعًا عن المسجد الأقصى.
وبالرغم من الفترة الصعبة التي عاشها الفتى خلال هذا القيد داخل المنزل إلا انه لم ينل هذا من عزيمته ومبادئه.
ويقضي عشرات الشبان في الداخل عقوبة "القيد المنزلي الإلكتروني" بعد صدور قرارات بالإفراج عنهم، عقب فترات اعتقال متفاوتة على خلفية الاحتجاجات والأحداث التي شهدها الداخل منذ مايو العام المنصرم وحتى اليوم.
ولا يوجد أي ذرائع لسلطات الاحتلال لفرض هذا النوع من القيد على الشبان المفرج عنهم، سوى الانتقام من مشاركتهم في الاحتجاجات ومواجهة سياسات الاحتلال وعنصريته، كما يؤكد مختص قانوني.
أبعاد قمعية
ويقول المحامي خالد زبارقة في حديث لوكالة "صفا": "إن كل القيود التي تفرضها سلطات الاحتلال على الشبان في الداخل غير قانونية، من بينها هذا النوع من القيد".
ويضيف "عدد كبير من الشبان تم الإفراج عنهم بعد عجز الاحتلال عن إدانتهم وتقديم لوائح اتهام بحقهم، خاصة وأن كل ما فعلوه أنهم شاركوا في احتجاجات للدفاع عن حقهم وحماية ممتلكاتهم".
ويؤكد أن الاحتلال يريد أن يحول من "القيد الإلكتروني" بيوت الشبان إلى سجون إسرائيلية، يتم التحكم فيهم عن بعد، كما يريد أن يحوّل الأهالي إلى سجانين على أبنائهم وأطفالهم، من باب خوفهم الشديد عليهم بحال تجاوزوا هذا القيد.
ومؤخراً، استخدمت محاكم الاحتلال وجهات التحقيق التابعة لها "الإسوارة الإلكترونية" كبديل عن الحبس الفعلي في سجون الاحتلال، عبر مراقبة المعتقل داخل منزله ومنعه من مغادرة منازلهم، وذلك في ظل تزايد أعداد المعتقلين وحملات الاعتقال بالداخل.
انتقام من الوعي الوطني
ويُعد الحرمان من حرية الحركة والتواصل أهم مؤثر نفسي على الشبان الذين يتعرضون لهذا النوع من القيد، وهو ما يجعله لا يقل عن سجون الاحتلال قمعًا، يقول زبارقة.
ويرى أن الاحتلال "يريد أن ينتقم من الشبان على تحديهم لسياسته، وعلى صدمته من وعيهم وحسهم الوطني، الذي ظهر في هبة الكرامة وما تبعها من أحداث".
كما يريد الاحتلال من خلال هذا القيد، "أن يؤثر على تفكير وعقيدة الشبان لتغيير قناعاتهم وهندسة هذا الوعي، بما يتلاءم مع سياسته".
ويكمل زبارقة "هذه الإجراءات كلها غير قانونية، وهي لا علاقة لها باستكمال عقوبة أو محاكمة، خاصة وأن محاكم الاحتلال عاجزة عن إدانة الشبان، فيما تترصد لأخرين لا زالوا في السجون، وتصرّ على محاكمتهم".
ويشير إلى أن هذه الإجراءات تأتي في إطار سياسة تكريس الاحتلال، وتذكير الشبان بأنهم يعيشون تحته، في وقت فشلت فيه مشاريع ومخططات أسرلة عقولهم على مدار العقود الماضية.
ويشدد على أن السوار الإلكتروني يؤثر ليس فقط على حركة الشبان، وإنما ينعكس على وضعهم النفسي، خاصة ونحن نتحدث عن محاولة تغيير تفكير هؤلاء بالقوة، وعن مدة تتجاوز عدة أشهر، يبقى خلالها الشاب مقيدًا به.
ويوضح بأن مجرد وجود هذا القيد يسبب أيضًا تضييقًا على قدم المعتقل المنزلي، يتحول مع الوقت إلى ألام شديدة، قد تتطور إلى إصابتهم بأمراض.
يُذكر أن ما يزيد عن 2800 شاب اعتُقل فقط في أحداث هبة الكرامة التي اندلعت في مايو العام المنصرم بالداخل تنديدًا بالعدوان على الأقصى وغزة والشيخ جراح، فيما شنت سلطات الاحتلال حملات متتابعة على خلفية احتجاجات أخرى امتدت خلال العام.