بعد عباس.. انتقال سلس للسلطة أم نزاع وشقاق؟

نابلس - خاص صفا
منذ انتهاء فترة ولاية الرئيس محمود عباس دستوريًا في الـ15 يناير 2009 وما تلاه من محطات مفصلية، والسؤال الشاغل للكثير من المحللين والمراقبين هو الكيفية التي سيتم بها تجديد شرعية الرئاسة.
 
ويبدو هذا السؤال أكثر وجاهة مع تقدم عباس بالعمر واعتلال صحته دون وجود رؤية واضحة حول آلية اختيار خليفة له في حال الموت أو فقدان الأهلية، وفي ظل الفوضى الدستورية الناتجة عن حل المجلس التشريعي وتعطيل الانتخابات.
 
في المطبخ السياسي تشير الدلائل إلى أن منصب الرئيس قد حسم لصالح عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ الذي جرى في السنوات الأخيرة تصعيده بشكل لافت في المناصب القيادية، وصولاً إلى منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ولم يبق أمامه سوى شغور منصب الرئيس.
 
المحلل السياسي وأستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة النجاح مصطفى الشنار يقول لوكالة "صفا" إن "قيادة السلطة الحالية تمادت في إلغاء وتحييد كل المؤسسات الدستورية التي تضمن انتقالاً دستوريًا للسلطة من رئيس لآخر عبر الانتخابات".
 
وبيّن أن السلطة حلت المجلس التشريعي وجمدت المجلس الوطني وفوضت صلاحياتهما للمجلس المركزي بمنظمة التحرير والذي أعيد تركيبته وبناؤه وفق مقاسات الرئاسة، لتمرير اختيار خليفة عباس بالصورة المرغوبة من كل الأطراف الداعمة لمشروع أوسلو.
 
3 سيناريوهات
وحول سيناريوهات انتقال السلطة في حال شغور منصب الرئيس، يقول الشنار لـ"صفا" إن "هناك سيناريو دستوري حدده القانون الأساسي للسلطة، ويتمثل بتولي رئيس المجلس التشريعي لمنصب الرئيس لفترة انتقالية مدتها 60 يومًا تجرى خلالها انتخابات رئاسية".
 
لكن حل التشريعي وإلغاء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني في أبريل/ نيسان 2021، أحدث فراغًا دستوريًا في النظام السياسي الفلسطيني، وفق الشنار.
 
وهذا الفراغ بالنظام تركه عرضة للتنافس والصراع على خلافة الرئيس، وهو ما وفر بيئة خصبة للإشاعات حول مرض ووفاة الرئيس في الأيام الماضية.
 
أما السيناريو الثاني حسب الشنار، فهو أن يجتمع المجلس المركزي وينتخب رئيسًا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والذي جرى العرف أن يكون أمين سر اللجنة التنفيذية، وهو المنصب الذي أنيط مؤخرًا بحسين الشيخ.
 
وبتولي الشيخ لمنصب رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة، يكون تلقائيًا رئيسا للسلطة لكون المنظمة هي التي أسست السلطة بقرار اتخذه المجلس المركزي.
 
أما السيناريو الثالث، فهو نشوب صراع داخلي في ظل رفض بعض أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح تولي الشيخ للرئاسة، وهو سيناريو ضعيف لكنه وارد وتحدث عنه عدد من المراقبين وحذروا منه.
 
وسبب التقليل من السيناريو الثالث-بحسب الشنار- هو أن كل الأطراف الإقليمية والدولية معنية بخلافة آمنة وسلسلة لعباس من أجل استقرار الأمور على ما هي عليه، لأن أي اضطراب في الضفة قد يؤدي لفقدان حركة فتح السيطرة وهو ما سينعكس سلبًا على أمن الاحتلال.
 
كسر القاعدة الدستورية
ويرجح بالمقابل أن تجري الأمور بسلاسة، لأنها مهما بلغت الخلافات الفردية بين أعضاء مركزية فتح، فلا يمكن لأحد منهم في ظل الوضع الحالي أن يضحي بالمكاسب التي تحصّل عليها لينشق لأنه سيخسر، وتجربة محمد دحلان ماثلة أمامه.
 
وحول دستورية انتقال السلطة بدون انتخابات رئاسية، قال الشنار إن دستورية وشرعية الإجراءات تم تجاوزها وكل السيناريوهات باتت ممكنة بعد أن تم كسر القاعدة الدستورية.
 
وأضاف أن "لديهم القدرة على التلاعب بالنصوص الدستورية من خلال المحكمة الدستورية التي أوجدوها بشكل منفرد لهذا الغرض، والتي بدورها أوجدت لهم الحلول لكل عقبة دستورية".
 
وأكد أن المخرج الوحيد لإعادة الاعتبار للنظام السياسي الفلسطيني والاستقرار الداخلي هو العودة إلى مسار الانتخابات الشاملة من حيث توقفت.
 
ترتيبات دون انتخابات
واعتبر أن كل الإجراءات التي سوف تتم لترتيب خلافة عباس بعيدًا عن صندوق الاقتراع، تفتقر إلى الشرعية الدستورية والوطنية، ولن تزيد الوضع الداخلي إلا تأزمًا وتعقيدًا.
 
وذكر الشنار أنه في ظل حالة الفوضى الدستورية التي تعيشها السلطة منذ 15 عاما، فإن هناك من يرى أن لا عقبات يمكن أن تقف أمام تنصيب الرئيس الجديد، مع وجود محكمة دستورية جاهزة لإضفاء الصفة الدستورية عليه.
 
من ناحيته، استبعد الكاتب والمحلل السياسي جهاد حرب إجراء الانتخابات العامة، التشريعية والرئاسية أو أحد منهما، في المدى المنظور، خاصة بعد تأجيل الانتخابات في العام الماضي ورهن إجرائها بموافقة الاحتلال على إجرائها في مدينة القدس.
 
وحدد حرب في حديثه لوكالة "صفا" خياران مؤسسيان محتملان لاختيار الرئيس المقبل بناءً على القواعد الدستورية الحاكمة للنظام السياسي الرسمي في ظل الوضع القائم.
 
ويتجاهل هذان الخياران إمكانية حدوث تحولات سياسية أو مجتمعية غير مؤسسية قد تنشأ في بنية النظام السياسي القائم، أو تحول في بنية النظام الداخلية بإجراء الانتخابات العامة.
 
والخيار الأول هو اختيار رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير رئيساً لفلسطين، بحيث يتولى رئيس "التنفيذية" الجديد رئاسة "الدولة" بقرار من المجلس المركزي.
 
صراع نفوذ
ويحتاج هذا إلى قرار المجلس المركزي، وفقًا لقرارات المجلس الوطني التي فوضت "المركزي" عام 1988 تعيين رئيس الدولة، وكذلك بموجب قرار المجلس الوطني في الدورة الثالثة والعشرين بتفويض جميع صلاحياته للمركزي.
 
وهذا الخيار يبدو سهل الإجراء- بحسب حرب- ويحتاج فقط لعقد جلسة للمجلس المركزي، ولا يتطلب إجراء انتخابات رئاسية في المدى المنظور على الأقل في ظل عدم القدرة على إجرائها.
 
كما يُبقي كلا المنصبين، رئيس منظمة التحرير ورئيس الدولة، بيد شخص واحد، ما يحول دون تنازع الصلاحيات والصراع على السلطة بين أركان النظام السياسي المزدوج.
 
وأضاف حرب "يعزز عملية الإحلال في النظام السياسي لصالح مؤسسات منظمة التحرير على حساب المؤسسة العامة التي تأسست بموجب اتفاق أوسلو".
 
لكن هذا الخيار- وفق المحلل السياسي- يحمل في طياته مخاطر متعددة، منها ما يتعلق بجوانب داخلية في حركة فتح في ظل الصراع على مراكز النفوذ، وسيزيد من حدة الانقسام بين فتح وحماس.
 
كما يحمل مخاطر على الحالة الديمقراطية بتغييب فرصة اختيار المواطنين للرئيس أو ممثلهم لإدارة الحكم، الأمر الذي يعزز التحول نحو النظام الاستبدادي، بحسب حرب.
 
رئيس المركزي أم التنفيذية؟
أما الخيار الثاني، يذكر أنه يقوم على تولي رئيس المجلس الوطني الرئاسة المؤقتة، باعتباره رئيساً للسلطة التشريعية، إثر شغور منصب رئيس "الدولة"، وفقا للتوجه القائم في المجلس المركزي وقراراته في اجتماعه الأخير.
 
ونصت قرارات المجلس المركزي على تولي المجلس "صلاحياته الدستورية وولايته الرقابية على الجهات التنفيذية في المنظمة وأجهزتها ومؤسساتها، وعلى السلطة الوطنية الفلسطينية وعمل الاتحادات والنقابات والجمعيات وفق القوانين التي تنظم عملها".
 
وأضاف حرب أن "هذا الخيار يحترم أحكام القانون الأساسي المنظمة لعملية انتقال السلطة في حال شغور منصب الرئيس، وينسجم مع قرارات المجلس المركزي القاضية بتولي "المركزي" للسلطة التشريعية، ويُبقي على الأمل بإجراء الانتخابات الرئاسية خلال 60 يوماً".
 
ويساهم هذا السيناريو بتخفيف حدة الخلافات بين مراكز النفوذ في "فتح" على خلافة عباس، وتحد من الصراع المباشر المحتمل.
 
لكن هذا الخيار يحمل في طياته مخاطر استمرار الصراع الداخلي بحركة فتح ليطال هوية مرشح الحركة في ظل التفكك الحاصل بين أجنحة الحركة، وسيزيد من حدة الانقسام بين فتح وحماس حول مشروعية هذا الأمر.
 
كما أنَّ هذا الخيار يهدد بإحلال فعلي للمجلس المركزي غير المنتخب من الشعب بديلاً عن المجلس التشريعي المنتخب من الشعب مباشرة، والتخوف من عدم القدرة على إجراء الانتخابات الرئاسية في المدة المحددة قانوناً فيصح المؤقت دائماً، وبروز التنازع على الصلاحيات بين رئيس المنظمة والرئيس المؤقت-الدائم.
 
وخلص حرب إلى أن كلا الخيارين يثيران بقوة مسألة التخوف من تماهي المنظمة مع السلطة، وإحلال مؤسسات المنظمة بدلاً من مؤسسات السلطة، خاصة في ظل عدم القدرة على إجراء الانتخابات خلال المدة المحددة في القانون الأساسي.
 
وفي هذه الحالة ستقع المنظمة تحت ضغط التزامات السلطة المنصوص عليها في اتفاق أوسلو وملحقاته، كما أن عدم إجراء الانتخابات العامة يزيد من مخاطر عدم مشروعية النظام السياسي الفلسطيني.
 
ويرجح حرب خيار تولي رئيس المجلس الوطني الرئاسة المؤقتة بما يخفف من وطأة عدم المشروعية القائم في النظام السياسي، وضمان ترتيبات آمنة لخلافة عباس.
غ ك/م ت/ط ع

/ تعليق عبر الفيس بوك

استمرار "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة