لم تشهد مدينة القدس منذ احتلالها مثل هذا الاستنفار الأمني الإسرائيلي وحالة التأهب القصوى، استعدادًا لـ"مسيرة الأعلام" الاستفزازية، المخطط مرورها من باب العامود والبلدة القديمة، وتحسبًا لأي مواجهات أو احتكاكات محتملة مع الفلسطينيين.
ورفعت شرطة الاحتلال من حالة التأهب في صفوفها بالقدس، وتحديدًا البلدة القديمة، وجنّدت الآلاف من عناصرها وقواتها الخاصة، وخاصة في منطقة باب العامود، واستنفرت 3 ألوية من قوات الاحتياط، تمهيدًا لرفع أعلام الاحتلال في المدينة المحتلة خلال المسيرة.
ويرى مراقبون فلسطينيون أن هذا الاستنفار الإسرائيلي دليل واضح على ضعف وهشاشة حكومة الاحتلال وتخبطها وإرباكها في التعامل مع الأحداث والتطورات الميدانية المرتقبة، وأيضًا على فشل هذه المسيرة قبيل انطلاقها وفق مسارها المخطط له، وأن سيادتها على القدس مجرد سيادة وهمية ومصطنعة.
فقدان السيطرة
المختص في شؤون القدس ناصر الهدمي يرى أن إجراءات الاحتلال غير المسبوقة في القدس منذ احتلالها عام 1967، ما هي إلا تعبير عن حالة النقص التي تعاني منها حكومة الاحتلال، وعدم قدرتها على تنفيذ "مسيرة الأعلام"، نتيجة الفشل في تنظيمها خلال المرات السابقة، وتحديدًا في العام الماضي.
ويوضح الهدمي لوكالة "صفا" أن المسيرة تأتي من أجل تعزيز رواية الاحتلال وسيادته الكاملة على القدس، وهذا ما يعبر عن توجهات حكومة الاحتلال للسيطرة على المدينة بشكل أكبر، بعدما فقدتها في الآونة الأخيرة، نتيجة صمود المقدسيين وحراكهم.
ويضيف أن ما يجري في المدينة بمثابة تعبير واضح عن الصراع المحتدم بين أبناء الشعب الفلسطيني بكافة قطاعاته وسلطات الاحتلال ومستوطنيها.
ويبين أن "مسيرة الأعلام مسيرة رمزية أعدتها سلطات الاحتلال للتعبير عن سيادتها المنقوصة على المدينة المحتلة، احتفالًا بما يسمى يوم (توحيد القدس)، والذي تعتبره يومًا رمزيًا تحتفل فيه بسيطرتها على المدينة بشطريها الشرقي والغربي".
ويتابع أن "هذا الواقع الذي يفرضه الاحتلال عبر المسيرة الاستفزازية، والتي يتم خلالها رفع كل رموز السيادة الإسرائيلية، وأهمها العلم، لذلك يطلق عليها مسيرة الأعلام، ويتخللها توزيع عدد كبير من الأعلام ونشرها في شوارع القدس، بحيث تكون الصورة الظاهرة والغالبة على المسيرة".
في مقابل هذا الواقع، كما يقول الهدمي: "شاهدنا رفع الأعلام الفلسطينية في شوارع القدس وأحيائها وأزقتها، تحديًا لأعلام الاحتلال اليوم، ولإظهار أن السيادة على المدينة ليست للمحتل الذي يُحارب بكل الوسائل رفع العلم الفلسطيني، وإنما هي للفلسطينيين".
ولتأمين "مسيرة الأعلام"، يفرض الاحتلال عنصريته واعتداءاته الممنهجة على السكان المقدسيين، وبما تشهده أيضًا من تدنيس للأماكن المقدسية، وإجبار التجار على إغلاق الأسواق والمحال التجارية، بالإضافة إلى التضييق على حياتهم اليومية.
تهديد استراتيجي
ورغم إجراءات الاحتلال الأمنية في القدس، إلا أن "مسيرة الأعلام" ستفشل في تحقيق أهدافها كما فشلت عام 2021، بفعل صواريخ المقاومة التي جاءت ردًا على جرائم الاحتلال بالمدينة، كما يتوقع الناشط المقدسي
ويضيف "كل هذه الإجراءات تثبت أن الاحتلال غريب وتلفظه مدينة القدس، وأن هناك عوائق كثيرة أمام استقلال دولة إسرائيل وسيادتها على المدينة، وأن الشعب الفلسطيني بصموده وثباته في أرضه وبوحدته بات يشكل أكبر تهديد استراتيجي للعمق الصهيوني".
ويبين أن المقاومة الفلسطينية أصبحت تشكل عنصرًا أساسيًا في معادلة المواجهة مع الاحتلال، الذي بات يحسب لها ألف حساب، ويتخوف من ردة فعلها.
سيادة وهمية
أما المحلل السياسي راسم عبيدات فيقول لوكالة "صفا": إن "الاحتلال كي يضمن تنفيذ مسيرة لرفع أعلامه في شوارع القدس، يحشد أكثر من 3 آلاف جندي وشرطي لتأمينها، مما يثبت أن ليس له أي سيادة على المدينة، بل هي سيادة وهمية ومصطنعة، وأن القدس مدينة غير موحدة في هذا الاتجاه".
ويوضح أن مصادقة حكومة الاحتلال على مسار المسيرة وفق المخطط المعلن يأتي من منطلق أنه يجب استمرار سيرها في المدينة المحتلة على اعتبار أن "القدس عاصمتهم الموحدة والأبدية، وأن لهم سيادة عليها".
ويضيف "لكن رغم ما حدث اليوم في المسجد الأقصى من اقتحامات وتغول على المرابطين والمرابطات والصحفيين وغيرهم، ثبت أنه لا سيادة للاحتلال على المدينة، بالرغم من تجاوز الخطوط الحمراء بشأن الأقصى".
ومن وجهة نظره، فإن "حكومة الاحتلال تعيش أزمة سياسية عميقة، وما الإجراءات الأمنية غير المسبوقة في القدس لتأمين المسيرة، إلا دليلًا واضحًا على مدى ضعف وهشاشة هذه الحكومة، وأنها أصبحت تشعر بفقدان السيطرة والسيادة الوهمية على المدينة".
ويتابع "كل هذا الاستنفار والزخم الإسرائيلي، وحضور المستوطنين بأعداد كبيرة للقدس، لا يدلل على أن الاحتلال ينطلق من منطلق قوة، بل ينم عن حالة إرباك وقلق، وأنه لولا هذه الحراسات الأمنية المشددة والانتشار العسكري لما تجرأ المستوطنون على المرور من باب العامود".
وبحسب عبيدات، فإن "ذلك يعبر أيضًا عن أن حكومة الاحتلال تعيش أزمة وصراعًا وجوديًا في القدس، لذلك تستخدم قبضتها الحديدية في التعامل مع الفلسطينيين".