شهدت السنوات الأخيرة تراجعًا في عدد اليهود الذين يستوطنون مدينة القدس المحتلة، مقابل تزايد أعداد الفلسطينيين، الأمر الذي عزاه مراقبون إلى خطورة الأوضاع في المدينة، وخشية من اندلاع مواجهة جديدة، نتيجة استمرار جرائم الاحتلال الإسرائيلي بالمدينة والمسجد الأقصى المبارك.
وأظهر تقرير رسمي أصدره "معهد القدس لبحث السياسات" الإسرائيلي أن عدد السكان في القدس بلغ 951,100 نسمة في عام 2020، بينهم 366,800 فلسطيني أي ما نسبته (39%)، بينهم 353,800 مسلم و12,900 مسيحي، و570,100 يهودي (61%).
ولا تزال معدلات الفقر في المدينة المقدسة مرتفعة، وحسب التقرير، فإن 61% من الفلسطينيين و32% من اليهود يعيشون تحت خط الفقر.
وفي العام 2021، شكل "الحريديون" أكبر مجموعة سكانية يهودية في القدس، وبلغ عددهم 257 ألفًا، أي 45% من اليهود و28% من السكان في المدينة، فيما بلغ عدد المتدينين اليهود غير الحريديين 130 ألفًا (23%)، واليهود المحافظين دينيًا والعلمانيين 166 ألفًا (29%)، بينهم 79 ألف محافظ دينيًا و87 ألف علماني.
ووفقًا للتقرير، فإن نصف سكان القدس دون سن 24.1 عامًا، ويعود ذلك بالأساس إلى نسبة النمو السكاني المرتفعة بين والفلسطينيين و"الحريديين"، رغم حدوث تراجع في نسبة النمو بين الفلسطينيين.
وأضافت المعطيات الإحصائية أن 82% من النساء اليهوديات يشاركن في قوة العمل، مقابل 26% من النساء الفلسطينيات، و71% من الرجال اليهود و69% من الرجال الفلسطينيين يشاركون في قوة العمل.
ويعاني المقدسيون أوضاعًا معيشية صعبة، في ظل تصاعد وتيرة هدم المنازل، ورفض منحهم التراخيص اللازمة للبناء والتوسيع الديمغرافي، والاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم، والتضييق عليهم في كافة مناحي الحياة، في مقابل توسيع الاستيطان وإقامة الأبراج الاستيطانية، وتهويد القدس، ومحاولة بسط "السيادة الإسرائيلية" الكاملة عليها.
فقدان الأمن
الباحث المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب يعزو تراجع عدد اليهود إلى فقدانهم الأمن داخل المدينة المقدسة، ولخطورة تصاعد الأوضاع فيها، وما تتعرض له باستمرار من مواجهات، وخوفًا من ردة فعل المقاومة في قطاع غزة، ردًا على استمرار انتهاكات الاحتلال واعتداءاته في المدينة.
ويوضح أبو دياب في حديث لوكالة "صفا" أن اليهود باتوا يخشون أهل القدس، بفعل صمودهم وثباتهم وتصديهم المتواصل لاعتداءات الاحتلال والمستوطنين المتطرفين، وإفشال مخططاتهم بحق المسجد الأقصى.
ويضيف أن السنوات الأخيرة شهدنا هجرة أعداد كبيرة من الإسرائيليين من القدس إلى داخل فلسطين المحتلة أو خارجها، وخاصة ما بعد معركة "سيف القدس"، وفقدان حكومة الاحتلال قوة الردع وسيطرتها على المدينة المحتلة.
ويشير إلى أن الـ24 ساعة الماضية شهدت مغادرة عدد كبير من الإسرائيليين إلى الخارج، خشيةً من اندلاع مواجهة عسكرية جديدة، عقب التهديدات التي أطلقتها المقاومة بشأن "مسيرة الأعلام".
وبحسب أبو دياب، فإن تخوف اليهود من تصاعد الأوضاع والأحداث يؤدي إلى حدوث خلل في التوازن الديمغرافي لصالح الفلسطينيين.
صمود وثبات
ويؤكد أنه رغم كل محاولات الهدم والتهجير القسري والإبعاد، وتضييق الخناق على المقدسيين في كافة مناحي الحياة، والاعتداء على المقدسات، بما فيهم المسجد الأقصى، وغيرها، إلا أن النتيجة تأتي عكسية تمامًا.
ويعيش الإسرائيليون –وفقًا للمختص في شؤون القدس- حالة نفسية متردية في مدينة القدس، وهناك ازدياد في أعداد المتوجهين منهم للأطباء النفسيين للحصول على الدعم النفسي، وخاصة منذ معركة "سيف القدس".
ويشدد على أن أهل القدس متشبثين في مدينتهم يرفضون كل الإغراءات الإسرائيلية ومحاولات طردهم وتهجيرهم منها، رغم ما يعانوه من أوضاع اقتصادية صعبة، بفعل إجراءات الاحتلال وقوانينه العنصرية.
وفي حال استمر تراجع عدد اليهود في المدينة المحتلة، فإن أعداد الفلسطينيين ستصل خلال السنوات المقبلة إلى ما نسبته 50%، بفعل صمود وثبات أهلها وارتباطهم بمدينتهم، كما يتوقع أبو دياب.
ويوضح أن الاحتلال يحاول بشتى الوسائل دفع المقدسيين للرحيل والهجرة عن مدينة القدس، في مقابل تسهيل كافة أمور المستوطنين وتوفير كل ما يحتاجونه من أجل زيادة عددهم داخلها، لأن الصراع يدور على الهوية والسيادة.