رُغم تحذيرات المقاومة في قطاع غزة، إلا أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي تُصر على إقامة "مسيرة الأعلام" الاستفزازية في مدينة القدس المحتلة وفق مسارها المخطط له عبر مرورها من باب العامود والبلدة القديمة وصولًا لحائط البراق، فهل سيعاد سيناريو معركة "سيف القدس" عام 2021؟.
وتخطط "جماعات الهيكل" المزعوم والمنظمات اليهودية المتطرفة لإحياء ما يسمى يوم "توحيد القدس" باقتحام كبير للمسجد الأقصى المبارك وبمسيرة أعلام ضخمة، بغية تعويض الفشل الذي مُنيت به في مايو/أيار عام 2021، بفعل صواريخ المقاومة، التي جاءت ردًا على جرائم الاحتلال في القدس.
وصادق وزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال عومير بار ليف بعد اجتماع عقده مع المفتش العام للشرطة يعقوب شبتاي على خط سير "مسيرة الأعلام" السنوية في البلدة القديمة، وذلك في ذكرى احتلال القدس الذي يوافق 29 مايو الجاري، وفقًا للتقويم العبري.
وبحسب صحيفة "هآرتس" العبرية فإن قرار الموافقة على المسيرة ومرورها من البلدة القديمة بمثابة استجابة مباشرة للرأي العام الذي يقوده المستوطنون، ويؤكد على مخاوف الحكومة الحالية من اتهامها بالتراجع والخوف.
وقالت إنه "من المتوقع وقوع مواجهات داخل القدس، خاصة وأنه بالإضافة للبعد الوطني لدى المقدسيين بشأن مواجهة المسيرة، يقوم المستوطنون بأعمال تخريب واعتداء على الفلسطينيين وممتلكاتهم في المناطق التي يمرون فيها، وهذا قد يؤدي لاندلاع مواجهات عنيفة".
صراع السيادة
ويشكل "الصراع على السيادة" العنوان الأبرز للأحداث في القدس منذ العام الماضي وحتى اليوم، خاصة بعدما فقد الاحتلال شعوره بالسيادة في المدينة، وبات يرى أن هناك ما ينازعه عليها، وفق ما يرى المختص في شؤون القدس ناصر الهدمي.
ويضيف الهدمي لوكالة "صفا" أن "الاحتلال يحاول استعادة سيادته عبر تصرفات حمقاء جعلته يرتكب أخطاء كثيرة، مما أوصلته لأن يفقد سيطرته أكثر فأكثر على القدس، وما مسيرة الأعلام إلا واحدة من هذه الأخطاء، التي يسعى لتنظيمها في المدينة".
ويعتبر أن "مسيرة الأعلام" المقررة هذا العام هي محاولة بائسة من الاحتلال لاستعادة سيادته في القدس، لكن من الواضح جدًا أنه يريد الدفع بالوضع سوءًا، ما سيفقده السيطرة بشكل أكبر على المدينة.
ويشير إلى أن سلطات الاحتلال تعي ما حدث في جنازة الشهيدة الصحفية شيرين أبو عاقلة، والشهيد وليد الشريف، وكيف أساءت مشاهد الاعتداء على المشيعين إليها أكثر من السابق.
وبحسب الهدمي، فإن "الاحتلال يقرر تنظيم مسيرة الأعلام وفق مسارها المعتاد في تحدٍ واضحٍ للشارع المقدسي خاصةً، والشارع الفلسطيني عامةً، وفي ظروف يعي فيها أن الأمور متفجرة بالقدس بشكل كبير، وقد تؤدي لانفجار الضفة الغربية والداخل المحتل".
السناريوهات
وحول السيناريوهات المتوقعة، يرجح المختص في شؤون القدس إلغاء أو تغيير مسار "مسيرة الأعلام"، وهذا يعني أنها ستفقد معناها ورمزيتها بالنسبة للاحتلال، باعتبارها "رمزًا للسيادة وأن القدس موحدة"، وبالتالي ستفشل للمرة الثالثة.
والسيناريو الثاني، وفقًا للهدمي، أن يصر الاحتلال على إقامة المسيرة، ما سيدفع إلى انفجار الوضع واندلاع مواجهة شعبية ليس فقط في مدينة القدس، بل ستمتد إلى الضفة والداخل المحتل.
ومن وجهة نظره، فإن سلطات الاحتلال لن تنجح في تنظيم "مسيرة الأعلام"، وفق مسارها المخطط له وقد تلجأ إلى إيقافها في الدقيقة التسعين، خشية من انفجار الأوضاع.
أزمة سياسية
أما المحلل السياسي راسم عبيدات فيرجع إصرار حكومة نفتالي بينيت على إقامة "مسيرة الأعلام"، لعدة الأسباب أولاها أن هذه الحكومة تعاني أزمة سياسية عميقة، خاصة بعد استقالة عضو الكنيست عن حزب "ميرتس" غيداء زعبي ما جعلها حكومة أقلية وباتت قريبة من التفكك.
والسبب الثاني- كما يضيف عبيدات لوكالة "صفا"- أن الأحزاب الإسرائيلية باتت تُشدد على بعضها البعض في إطار الوضع الأمني الداخلي الإسرائيلي، وفي إطار المواجهة مع المقدسيين، والمقاومة في قطاع غزة، إذ يعملون على التشدد في القضايا المتعلقة بالقدس والداخل الفلسطيني المحتل.
ويشير إلى أن حزب "الليكود" برئاسة نتنياهو يخطط لخوض الانتخابات المبكرة الخامسة تحت شعار "العرب يستولون على الدولة"، لذلك فهم يتصارعون في إطار المناكفات والمزايدات من سيكون أكثر تطرفًا وعنصرية وقمعًا وتنكيلًا بالفلسطينيين سواء بالقدس أو الداخل المحتل.
وأما السبب الثالث، فإن كافة التطورات المتلاحقة والمتسارعة تؤشر إلى أن "بينيت يريد أن يكسب الجماعات اليهودية المتطرفة، التي باتت تتنامى بشكل كبير في المجتمع الإسرائيلي، وتتحكم بشكل أساسي في بقاء الحكومة الإسرائيلية أو سقوطها، لذلك يريد توظيفها بالانتخابات المبكرة". وفق عبيدات
ويتابع أن السبب الرابع يتمثل بأن "بينيت خضع لهذه الجماعات المتطرفة في إقامة مسيرة الأعلام، لأنهم يريدون أن يثبتوا أنهم أصحاب السيادة على مدينة القدس، وهم من يقرروا توقيت المسيرة وخط سيرها، ومرورها بباب العامود".
ويلفت إلى أن المستوطنين حاولوا في مايو/ أيار الماضي عبرنة ساحة باب العامود، ويعملون على ذلك من خلال تنفيذ مشاريع ومخططات استيطانية تحد من دخول الفلسطينيين من وإلى المسجد الأقصى، من أجل السيطرة على تلك البوابة الرئيسة.
وعن التداعيات والسيناريوهات المتوقعة، يعتقد المحلل السياسي أن مرور المسيرة في منطقة باب العامود سيدفع بالأوضاع المتفجرة بالقدس والداخل والضفة الغربية للانفجار على نحو أوسع من معركة "سيف القدس"، مضيفا "سنكون أمام معركة "سيف القدس 2" على شكل أوسع وأشمل، وريما قد تمتد لتداعيات إقليمية وحرب شاملة".
ويضيف أن "بينيت يسعى إلى التصعيد للهروب إلى الأمام، والخروج من أزمته السياسية الداخلية، وليعيد الهيبة والثقة لحكومته، وللأمن الإسرائيلي المفقود بعد أن تهشمت إسرائيل أمنيًا وعسكريًا وسياسيًا في معركة سيف القدس".