وجهت المقاومة ضربات مؤلمة للإسرائيليين خلال معركة "سيف القدس" بدءًا من شارة إعلانها في السادسة مساء يوم 10 مايو بالضربة الصاروخية الأولى التي استهدفت بها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة "حماس" مدينة القدس المحتلة، وحتى دخول اتفاق التهدئة حيز التنفيذ فجر الـ 21 من الشهر نفسه.
وأدرك الفلسطينيون والإسرائيليون والعالم أنّ القضية الفلسطينية دخلت منعطفًا غير مسبوق في تاريخها، بعد أن نجحت المقاومة في إدخال قضية الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى ضمن معادلتها.
ورغم الحصار المفروض على قطاع غزة، استلّت المقاومة سيفها وانتصرت للقدس المحتلّة؛ فأجبرت الاحتلال على وقف مخطط تهجير سكان حي الشيخ جراح من منازلهم، كما منعت "مسيرة الأعلام" الإسرائيلية من اقتحام المسجد الأقصى المبارك كما كان مخططًا لها، في معركة فاصلة أسمتها "سيف القدس".
أبرز المفاجآت
وشهدت المعركة التي خاضتها المقاومة في غزة نصرة للقدس والأقصى جملة من الإنجازات العسكرية التي لم تشهدها معارك ومواجهات أخرى.
وامتازت "سيف القدس" بإطلاق المقاومة رشقات صاروخية مكثّفة بشكل متزامن وبطريقة مدروسة؛ بهدف تشتيت "القبة الحديدية" الإسرائيلية وخفض فعالياتها، وهو ما تحقّق في كثير من المرات، إذ أصابت عشرات الصواريخ أهدافها بشكل دقيق وألحقت دمارًا كبيرًا في المدن والبلدات المحتلّة بشكل لم يكن يتخيّله الاحتلال.
وفي الوقت الذي ظنّ الاحتلال أنّ الخطر سيأتيه من السماء عبر الصواريخ أو من تحت الأرض عبر الأنفاق، باغتته "القسام" في اليوم الثاني من أيام المعركة من فوق الأرض بصاروخ "كورنيت" موجّه دمّر جيبًا عسكريًا شمالي قطاع غزة، وأدى لقتل جنديين، فيما استهدفت سرايا القدس جيبًا شرقي القطاع في اليوم الأول من المعركة، بصاروخ موجّه.
كما شهدت معركة "سيف القدس" إعلان كتائب القسام عن إدخال صاروخ جديد إلى الخدمة يحمل اسم "عياش 250"، وهو الصاروخ الذي أطلقته بتاريخ 13 مايو صوب مطار "رامون" جنوبي فلسطين المحتلّة، موضحة أنّ مداه يغطي كل فلسطين ويحمل قوة تدميرية هي الأكبر.
علاوة على ذلك، استخدمت الكتائب طرازًا جديدًا من طائراتها بدون طيار حملت اسم "شهاب"، وهي طائرات انتحارية استخدمتها في مهاجمة مصنع الكيماويات في مستوطنة "نير عوز" الواقعة فيما يُعرف بمنطقة "غلاف غزة".
ومن ضمن النجاحات البارزة للمقاومة خلال العدوان، تمكّن كتائب القسام من اكتشاف خديعة "مترو حماس"، التي أراد جيش الاحتلال من خلالها قتل نحو ألف مقاوم من الكتائب.
وحاول جيش الاحتلال تضليل القسام لإيهامها أن الاجتياح البري على الأبواب، وبالتالي لجوء مقاوميها لاتخاذ مواقع دفاعية داخل الأنفاق، قبل أن تقوم 160 مقاتلة إسرائيلية بمهاجمة مناطق الأنفاق لقتل أكبر عدد من المقاومين داخلها، وهو الأمر الذي لم يحصل كما أراده الاحتلال.
وكانت خطط جيش الاحتلال تشير، وفق صحيفة "معاريف"، إلى إمكانية قتل نحو 800 عنصر من نخبة القسام خلال العملية التي استمر التخطيط لها نحو 10 سنوات.
بدورها، أعلنت "سرايا القدس" إدخال صاروخ مطوّر إلى الخدمة يحمل اسم "القاسم"، موضحة أنّ رأسه المتفجر يحمل 400 كيلو جرام من مادة الـ"TNT" ويصل مداه القاتل نحو 200 متر.
وبحسب بيانات إسرائيلية رسمية فإنّ المقاومة أطلقت على المدن والبلدات المحتلّة أكثر من 4300 صاروخ خلال معركة "سيف القدس" التي استمرّت 11 يومًا.
خسائر الاحتلال
منذ اللحظة الأولى لبدء المعركة أدركت "إسرائيل" أنّها خسرت جهدًا بذلته على مدار سنوات طويلة لعزل المناطق الفلسطينية (قطاع غزة، الضفة الغربية، القدس، الداخل المحتل) عن بعضها، وإشغال كل منطقة بمشاكلها وهمومها الخاصة، فبدّدت المقاومة في القطاع هذه الأوهام وفرضت معادلة "القدس-غزة".
كما انفجرت مدن الداخل في وجه الإسرائيليين وتبدّد "وهم التعايش" وانتفض الفلسطينيون فيها وفي الضفة نصرة لقدسهم وأقصاهم وأهلهم في غزة.
وخسر جيش الاحتلال الإسرائيلي عنصر المبادرة الذي كان أهمّ ما يميّز جميع اعتداءاته السابقة على قطاع غزة على مدار الـ15 عامًا الماضية.
وكانت الترجيحات لديه أنّ المقاومة ستدخل المعركة لكنّه كان يتوقع أن يقتصر الردّ على "غلاف غزة"، لكنّ المفاجأة كانت بعدما وجّهت المقاومة رشقتها الصاروخية الأولى صوب القدس المحتلّة؛ فدخل المعركة خاسرًا منذ بدايتها.
أمّا على الأرض، فقد نجحت المقاومة في إيقاع أذى كبير في صفوف الإسرائيليين؛ إذ أفادت بيانات رسمية إسرائيلية بسقوط 14 قتيلًا و335 مصابًا خلال معركة "سيف القدس".
وإلى جانب ذلك، نجحت المقاومة الفلسطينية في إلحاق خسائر بالاقتصاد الإسرائيلي على مدار المعركة، بعدما أوقف الاحتلال حركة المطارات لفترات طويلة، وعلّق الموسم السياحي.
وقدّرت وزارة المالية الإسرائيلية الخسائر الأولية بنحو 7 مليارات شيكل (2.51 مليار دولار).