بالرغم من مرور عام على "هبة الكرامة" في الأراضي المحتلة عام 1948 التي جاءت امتدادًا لمعركة "سيف القدس" في قطاع غزة، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي ما زال يعيش حالة الصدمة من صورة الهبة، ويعمل بشكل مكثّف لضمان عدم تكرارها.
ويوافق الثلاثاء الذكرى السنوية الأولى لمعركة "سيف القدس"، التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، دفاعًا عن القدس والمسجد الأقصى المبارك وأهالي حي الشيخ جراح.
واندلعت بالتزامن مع المعركة "هبة الكرامة" في أراضي الـ48، على أثر اعتداء الاحتلال على المسجد الأقصى والشيخ جراح والعدوان على غزة واعتداءات المستوطنين في الداخل، واعتقل الاحتلال خلالها أكثر من 2800 معتقل.
ولم تشكل "هبة الكرامة" والاحتجاجات التي عمّت كل أنحاء الداخل الفلسطيني إبان المعركة صدمة للأمن الإسرائيلي فحسب، بل دفعت الاحتلال لتغيير "سيء وخاطئ" لسياسته تجاه أهل الداخل.
وحتى اليوم لم يستطع الاحتلال بأدواته الأمنية والعسكرية والسياسية أن يكبح جماح فلسطيني الداخل، وهذا ما تجلى في استئناف احتجاجاتهم ونضالهم خلال شهر رمضان الماضي، دفاعًا عن المسجد الأقصى.
وبحسب مختصين وقادة، فإن انخراط فلسطينيي الداخل في معركة "سيف القدس" يثير قلقاً إسرائيليًا كبيرًا.
صدمة سياسية وأدوات أمنية
ويقول المحلل السياسي أنطون شلحت إن الدور الفلسطيني في أراضي الـ48 إبان معركة "سيف القدس" أحدث إرباكًا، ليس فقط للسياسة الإسرائيلية، وإنما للسياسة الفلسطينية في الداخل وقيادة السلطة الفلسطينية.
ويضيف "ما حصل في أراضي الـ48 من احتجاجات وأحداث وما نُعرّفه بهبة الكرامة، كان له هدف مزدوج، وجاء أيضًا ليوصل رسالة سياسية للمؤسسة الإسرائيلية مفادها أن فلسطينيي الـ48 هم جزء من القضية الفلسطينية، حتى لو انضم فصيل سياسي منهم- يقصد القائمة الموحدة برئاسة منصور عباس- أو فاوض للانضمام للحكومة الإسرائيلية، وأن هذا الانضمام لا يعني أنهم تحولوا لإسرائيليين".
والرسالة الثانية التي أوصلتها مشاركة فلسطيني الداخل في الاحتجاجات ضد العدوان على غزة والأقصى، هي للقوى السياسية الفاعلة في أراضي الـ48، وهي أن القضية الفلسطينية بالنسبة لأهل الداخل هي الأساس والمحور وليست هامشية، وأن انشغال هذه القوى لا يعني أن القضية ستوضع على الهامش، وفق شلحت.
ويشير إلى أنه "بعد هذا الكم من الاحتجاجات وحجم الصدمة الإسرائيلية المستمرة منذ مشاركة فلسطينيي الداخل في الاحتجاجات إبان معركة "سيف القدس"، أصبح هناك قضية كبرى اسمها "فلسطينيو 48".
نتائج عكسية
ويرى شلحت أنه "بعد هبة الكرامة أصبح هناك عناصر جديدة دخلت على السياسة الإسرائيلية تجاه فلسطينيي الداخل، كلها مرتبطة بتشديد القبضة الأمنية".
ويلفت إلى أن "أغلب الشبان الذين تم اعتقالهم على أثر تلك الهبة، يحاكمون بتهم أمنية، على الرغم من أن لوائح الاتهام كلها تنص على القيام بأعمال شغب وإلقاء حجارة وإشعار إطارات سيارات، وهو ما يصنفه القانون الإسرائيلي بأنه تهم جنائية".
إلا أن المحاكمات بالتهم الأمنية يعكس أيضًا وجهًا من وجوه الصدمة التي عاشتها وما زالت "إسرائيل" من دور الفلسطينيين بالداخل أثناء العدوان على غزة، وفق المحلل السياسي.
ويضيف "لأول مرة تدخل قوات من الجيش الإسرائيلي إلى ما يسمى المدن المختلطة في الداخل، لأن الإرباك والصدمة ترتب عليهما إعادة نظر في السياسة الإسرائيلية، لكن لم يكن ذلك باتجاه الاستجابة لمطالب الجماهير بالداخل".
ويشير إلى أن "السياسة المتغيرة- تشديد القبضة الأمنية- ستأتي بنتائج عكسية على المؤسسة الإسرائيلية، لأن التجارب السابقة أثبتت ذلك، خاصة وأن هذه لم تكن المشاركة الأولى لفلسطيني الداخل في أحداث فلسطينية".
ويصل شلحت إلى نتيجة مفادها أن الرد الإسرائيلي المستمر على دور فلسطينيي الداخل خلال معركة "سيف القدس"، وهو أمني بحت، سينتج عنه إعادة إنتاج نفس العوامل التي أدت لهبة الكرامة وما سبقها من هبّات.
وتنظر "إسرائيل" لفلسطينيي الداخل على أنهم "عرب إسرائيل"، وهو المصطلح الذي تطرحه غالبية اليهود، إلا أنهم يفضلّون تسميتهم بالمواطنين الفلسطينيين بدلًا عن العرب.
"العفوية" ودلالاتها
نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني الشيخ كمال الخطيب يجزم، في حديث لوكالة "صفا"، أن الحقيقة المرّة التي تلقتها "إسرائيل" هي أن "كل ما حدث قبل عام في كل الأراضي الفلسطينية من معركة سيف القدس وهبة الكرامة وغيرها، جميعها بدأت من الاعتداء على المسجد الأقصى خلال شهر رمضان العام الماضي".
ويقول: "بلغ السيل الزبى بالاعتداء في ليلة القدر ومحاولة منع حافلات مدن الداخل من أن تصل للأقصى، وقرار أهل الداخل عقب ذلك بتسيير المزيد من الحافلات نحوه، والمشي على الأقدام من منطقة غوش ليصلوا للمسجد".
ويضيف "تلك المشاهد التي يجب علينا أن نتذكرها صدمت المؤسسة الإسرائيلية وأربكتها بالكامل، وهذا ما ظهر في اعتداءاتها على أهل اللد، ثم قتل الشهيد موسى حسونة والاعتداء على جنازته، وإطلاق العنان للمستوطنين ليعيثوا خرابًا بممتلكات المواطنين".
ويشير إلى أن ما تلا ذلك من أحداث واحتجاجات عمت كل بلدات الداخل من النقب حتى الجليل، وما جرى من تقييم إسرائيلي لها، "يعكس حجم المفاجأة التي عاشتها المؤسسة الإسرائيلية حتى اليوم".
ويلتقي الخطيب مع شلحت في استحضار إدخال قوات جيش الاحتلال للمدن الساحلية الخمس، ضمن محاولات "إسرائيل" كبح جماح فلسطينيي الداخل.
وحاول الاحتلال صرف أبناء الداخل عن قضية المسجد الأقصى عبر الاعتقالات التي طالت ما يزيد عن 3 ألاف شاب، عدد منهم ما زال رهن الاعتقال والمحاكمات.
ويرى الخطيب أن خروج أهل الداخل الذي تميز بالعفوية "دليل حازم على أن مشاريع التشويه ومسخ الهوية الفلسطينية العربية الإسلامية في الداخل، فشلت".
ويلفت إلى أن "ما يجري من أحداث متسارعة في الداخل حتى اليوم من اعتقالات واحتجاجات هو امتداد لهبة الكرامة، في وقت تعكس التعاملات الإسرائيلية مع هذه الأحداث استمرار المفاجأة من أفعال فلسطينيي الداخل المحتل أثناء معركة سيف القدس".