أثارت تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت بشأن إدارة المسجد الأقصى المبارك، وتنكّره للاتفاقات الموقّعة مع الأردن حول رعاية الأماكن المقدسة استياءً وغضبًا فلسطينيًا؛ الأمر الذي اعتبره مراقبون انقلابًا على دور الوصاية الأردنية الهاشمية وعلى الواقع التاريخي والديني في القدس والأقصى.
وقال بينيت في بداية اجتماع حكومته الأحد إننا "نرفض أيّ تدخل أجنبي فيما يتعلق بالمسجد الأقصى، والقرارات بشأن الأقصى والقدس ستتخذها الحكومة الإسرائيلية"، زاعمًا أنّ "إسرائيل ستستمر بالحفاظ على التعامل باحترام تجاه أبناء كافة الديانات في القدس".
ويعود تاريخ الوصاية الأردنية على المقدسات إلى العام 1924، عندما عُقدت البيعة للشريف حسين بن علي للوصاية على المقدسات في المدينة بموجب قانون أقره الانتداب البريطاني قبل انتهائه، إذ كانت الأردن، آنذاك، لا تزال تحت سلطة الانتداب البريطاني مع منحها حكمًا ذاتيًا.
ومع احتلال كل الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس في حزيران/يونيو 1967، لم تنقطع تلك الوصاية، بل وقع الأردن مع "إسرائيل" في 26 أكتوبر عام 1994، معاهدة السلام المعروفة باتفاقية "وادي عربة"، التي أكدت على احترام "إسرائيل" الدور الأردني الحالي في الأماكن الإسلامية المقدسة بالقدس.
وعزّز الاتفاق الذي وقعه الملك الأردني عبد الله الثاني والرئيس محمود عباس بعمان في 31 آذار/ مارس عام 2013، حق ودور الأردن بالوصاية والدفاع عن القدس والمقدسات.
تأجيج الصراع
مدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني يقول لوكالة "صفا" إنّ بينيت يريد بهذه التصريحات أن "يُثبت ما يدعو إليه المستوطنون والجماعات المتطرفة بشأن المسجد المبارك، وتبني ما يُحرضون عليه؛ بهدف إرضاء اليمين المتطرف".
ويؤكّد أنّ هذه التصريحات لن تُلغي القوانين الدولية ولا الحقائق المعترف بها على مستوى العالم "فالمسجد الأقصى حق خالص للمسلمين لا يقبل القسمة ولا الشراكة".
وبهذه التصريحات، فإنّ "بينيت يريد تأجيج الصراع الديني في المنطقة بأكملها، لذلك نحمّله كامل المسؤولية عن ردات الفعل عن هذا التصريح الخطير بشأن المسجد الأقصى". يضيف الكسواني.
ويشدّد على أنّ هذه التصريحات لن تقوّض السيادة الأردنية المتواصلة على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وعلى الاحتلال تحمّل تداعياته وتبعاته الخطيرة.
ويبيّن أنّ اقتحامات الأقصى التي تتم بقوة الاحتلال والسلاح لن تعطى أي شرعية له، ولا حتى مثل هذه التصريحات "لأن القدس مدينة تقع تحت الاحتلال وفقًا للقوانين الدولية".
ويتابع مدير المسجد الأقصى "نحن ننظر بعين الخطورة والقلق لتداعيات هذه التصريحات على أرض الواقع؛ لأنّنا نأخذها على محمل الجد، ونتخوف من تصاعد وتيرة الأحداث والانتهاكات بحق الأقصى وما قد يفعله الاحتلال".
إدارة وسيطة
أمّا الباحث المختص في شؤون القدس زياد إبحيص فيقول لوكالة "صفا": إنّ تصريحات بينيت "تُعبر عن واقعه، لانتمائه لـ"جماعات الهيكل" بشكل مباشر، وهو ما أرادت السياسة الأردنية أن تغمض عينيها عنه، وأن تقول أنه مختلفًا عن نتنياهو وهذا محض وهم".
ويضيف أنّ بينيت هو "صاحب مشروع تهويدي إحلالي في المسجد الأقصى يريد أن يزيله من الوجود ويُؤسس الهيكل مكانه على كامل مساحته، وأن السيادة على الأقصى بالنسبة له يهودية كاملة ولا يقيم وزنًا لأي دور آخر".
ويحذّر ابحيص من خطورة هذه التصريحات، قائلًا: "إنها لن تُقابل بأي رد أردني، بل بوفود تُرسل إلى تل أبيب وواشنطن، وهي عمليًا تلغي وجود الإدارة الإسلامية في المسجد الأقصى".
ويتابع "هذه الإدارة تمثلها الأردن كإدارة حصرية، لكنّها تتحول اليوم لعبارة عن فرع تحت الإدارة الإسرائيلية وتنفذ إرادة الاحتلال داخل الأقصى، وهنا تكمن الخطورة الحقيقية".
ويرى الباحث أنّ هناك تحولًا تدريجيًا للأوقاف إلى إدارة تابعة وملحقة بالإرادة الإسرائيلية يتولى الأردن تغطيتها فقط، معتبرًا أنّ هذا ما يحاول الاحتلال تكريسه "بأن يفتح الباب للتفاوض من جهة، ومن ثم يرفع السقف السياسي من جهة أخرى، وفي الميدان لا يحترم وجود أي طرف آخر، يقتحم كما يشاء ولا يقيم وزنًا لأي أحد".
ويتابع "وبالتالي تكون المحصلة أنّ هذه الإدارة الإسلامية في الأقصى، والمفروض أنّها تمثل المسلمين في إدارة مقدسهم، تتحول إلى إدارة وسيطة تمثّل الإرادة الإسرائيلية في المسجد المبارك".
خطر شديد
وأما المحلل السياسي راسم عبيدات فيرى أن حكومة الاحتلال تعمل على استرضاء الجماعات المتطرفة بأن المسجد الأقصى هو ما يسمى "الهيكل المزعوم"، ومن الواضح أنّ هذه الجماعات باتت هي من تتحكم بالقرار السياسي وبقاء الحكومة أو سقوطها.
ويضيف عبيدات لوكالة "صفا" أنّ بينيت يعتقد أنّ هذه الجماعات "ضمان أساسي لبقائه في الحكم؛ لأنّ عدم الاستجابة لمتطلباتها باستمرار اقتحامات الأقصى، أو فرض مخطط التقسيم الزماني والمكاني سيدفع باتجاه سقوط حكومته".
وبنظره فإنّ تصريحات بينيت كشفت بشكل واضح رفضهم لتدخل الأردن بشأن الأقصى، وأنّ حكومته هي من تقرر بشأن القدس والأقصى، لذلك يجب على الحكومة الأردنية أن تخرج عن دائرة الشجب والاستنكار.
ويؤكّد أنّ لدى الأردن أوراق ضغط سياسية تتمثّل في استدعاء السفير الأردني من "تل أبيب"، وطرد السفير الإسرائيلي من عمان، ومراجعة اتفاقية وادي عربة، ونقل القضية للعالم، وخوض نضال حقوقي وسياسي وقانوني في المؤسسات الدولية، وتحميل الاحتلال المسؤولية عمّا يجري في المسجد الأقصى.
وبرأي المحلل السياسي فإنّه "إمّا أن تكون هناك خطوات عملية ترتق لمستوى المخاطر التي يتعرض لها الأقصى، أو أنّه ليس بحاجة إلى وصاية شكلية مفرغة من مضمونها، لا تحمل أي شكل من أشكال السيطرة العملية على الوضع في المسجد المبارك".
وتضع تصريحات بينيت وصاية الأردن "في دائرة الخطر الشديد؛ لذلك يجب التنبه لخطورتها جديًا، وعلى صناع القرار في الأردن مراجعة علاقاتهم ومواقفهم تجاه إسرائيل، والاتفاقيات والعلاقات الدبلوماسية الموقعة معها"، وفق عبيدات.