يرى مختصان بالشأن السياسي أنّ استمرار وجود القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس في حكومة الاحتلال الإسرائيلي ليس إلا "نوع من الكِبْر"، مشدّدان على أنّ جرائم الاحتلال الأخيرة في القدس المسجد الأقصى كانت كافية لإعلان انسحابها.
وبالرغم من إعلان الموحدة على لسان عباس تجميد عضويتها بحكومة الاحتلال، إلا أنّ مراقبين يرون أنّ هذا الموقف "غير وطني وفيه ذر للرماد في العيون"، خاصة وأنّه تزامن مع قدوم عطلة الربيع.
وتتعرض "الموحدة" لانتقادات لاذعة وهجوم على المستوى الرسمي والجماهيري في أراضي الـ48 على خلفية مواقفها التي تصبّ في حساب سياسة حكومة الاحتلال على حساب القضايا والموقف الوطني التاريخي الموّحد من الصراع.
وخاضت القائمة الموحدة، التي تمثّل الحركة الإسلامية الجنوبية، انتخابات "الكنيست" في مارس وحدها بعدما انشقت عن القائمة المشتركة في فبراير عام 2021 المنصرم، لتنشقّ بذلك عن الأحزاب الثلاثة التي كانت تشكّل "المشتركة"، وهي الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة والتجمع الوطني الديمقراطي والعربية للتغيير.
وكان موقف "الموحّدة" بالانشقاق والدخول لحكومة الاحتلال مخالفًا لموقف الأغلبية من أبناء الداخل المحتل، فيما بررت هي دخولها بأنه يأتي من أجل رزمة مشاريع لتحسين أوضاع المجتمع الفلسطيني.
نوع من الكِبر
ويقول المحلل السياسي من الناصرة سهيل كيوان في حديث لوكالة "صفا" إنّ "استمرار وجود القائمة الموحدة بالحكومة الإسرائيلية رغم ما جرى من جرائم بالقدس، ليس سوى نوع من الكِبر".
ويضيف "القائمة لم تستفد من الشراكة بالحكومة الإسرائيلية، حتى على مستوى المشارع والخطة الاقتصادية التي وضعتها وراهنت على تحقيقها لتحسين أوضاع فلسطينيي الـ48".
ومن وجهة نظر كيوان فإن دخول القائمة الموحدة أصلًا في الحكومة الإسرائيلية كان خطئًا منذ البداية، إلا أّنها راهنت الجميع على تحقيق خطتها، وخاصة فيما يتعلق بالاعتراف بقرى النقب.
ويتساءل "ما الذي تحقق على أرض الواقع؟، لا شيء بالطبع، بل إنّ الاستيطان زاد والتجريف والتحريش والسياسات ضد النقب زادت، بالإضافة لزيادة العنف فيه".
بقاء من باب المناكفة
ومن باب الأسف على موقف "الموحدة"، يشير المختص السياسي إلى "أنّها لم تنطلق من نقطة الصراع الفلسطيني مع الاحتلال الذي هو صراع بقاء بكل فلسطين، وإنما من نقطة مصالح اقتصادية".
ويكمل "هذه الحكومة متطرفة حتى أكثر من حكومة بنيامين نتنياهو، ولذلك فإنها لم ولن تقدم تنازلات للقائمة الموحدة حتى لو كان على حساب انسحاب الأخيرة الذي سيسقط الحكومة".
لذلك فإنّ "تلويح القائمة بالانسحاب ليس حقيقيًا، بل إنّها باقية من باب المناكفة، أو كرسالة بأنها لم تخطئ وإن كان هناك بعض الأخطاء، لكن في داخلها هناك صراع كبير"، يقول كيوان.
ويلفت إلى وجود مطالب من رئيس الحركة الإسلامية الجنوبية السابق، المنبثقة عنها القائمة، بانسحابها من حكومة الاحتلال على خلفية ما جرى من عدوان على المسجد الأقصى وأهل القدس.
وبرأيه، فإنّ استمرار القائمة الموحدة بالتعنّت وظن عباس بأنّ رأيه صحيح لن يأتي له بنتيجة "لأن الحقيقة أنّه لا يوجد أي إنجازات لها منذ دخولها للحكومة وحتى اليوم، وهذا رأي معظم الجماهير حتى نسبة غير قليلة من الذين انتخبوها".
اعتبارات انتخابية وخسران جماهيري
ويصف المختص بالشأن الإسرائيلي والسياسي إمطناس شحادة بقاء "الموحدة" في حكومة الاحتلال رغم جرائمه بالقدس بأنّه "تعلق بقشة".
ويقول في حديث لوكالة "صفا": "من الواضح أنّ هذه القائمة في ورطة ومحرجة للغاية، من جهة سببها سياسات حكومة الاحتلال وجرائمها خاصة ما حدث بالقدس مؤخرًا، ومن جهة فشل مشروعها الذي دخلت من أجله للحكومة الإسرائيلية".
وفي تحليله لتفكير القائمة الحالي يرى بأنّ "انسحابها سيكون بمثابة فشل رسمي لمشروعها، وهذا سيكون له ضرر انتخابي عليها، خاصة مع اقتراب الانتخابات".
ويكمل شحادة "وأيضًا فإنّ عدم انسحابها له ضرر أيضًا على المستوى الوطني والجماهيري، فالبقاء يخسرها نقاط والانسحاب يخسرها نقاط".
وأمام النارين، فإن "الموحدة" ستفضّل البقاء في حكومة الاحتلال وتحمّل سياساتها من جهة والضغوطات التي تتعرض لها من الجماهير من جهة، لأغراض انتخابية فقط وليست وطنية، يقول شحادة.
ولكنّه يُجزم بأنّ تفكير القائمة الموحدة بأنّها ستعوض هذا الضرر في المستقبل ليس سوى مجرد ظن، لأنّها سبق وأن ظنت وراهنت على مشروعها لدخول الحكومة الإسرائيلية وفشل على أرض الواقع.
تجدر الإشارة إلى أن الحركة الإسلامية في الداخل المحتل تأسست في عام 1971 على يد الشيخ عبد الله نمر درويش، وعملت بشكل رئيسي في مجالي الخدمات الدينية والاجتماعية، لكنّها انقسمت عام 1996 إلى قسمين، الأول "جنوبي" له نشاط سياسي في "الكنيست" الإسرائيلي، والآخر "شمالي" برئاسة الشيخ رائد صلاح، وهو القسم الذي أعلنت "إسرائيل" حظره عام 2015، ويلقى دعمًا جماهيريًا واسعًا بين أبناء الشعب الفلسطيني.