"الأرض هي هويتني وتاريخي، وإرث آبائي وأجدادي، ومن أجلها ترخص الروح"، بهذه الكلمات جسد المقدسي أحمد سمرين حبه لأرضه وتجذُره بها، رُغم الهجمة الإسرائيلية وعمليات الملاحقة المستمرة بحق عائلته في حي وادي الربابة ببلدة سلوان.
عائلة سمرين واحدة من عائلات سلوان المهددة أراضيها بالمصادرة في وادي الربابة، نظرًا لأهمية موقعها الاستراتيجي المتميز الذي لا يبعد سوى 500 متر عن جنوب المسجد الأقصى المبارك، وطبيعته الخلابة، وزراعتها بأشجار التين والزيتون التي يزيد عمرها عن 1000 عام.
حبهم للأرض ودفاعهم عنها، جعلهم يدفعون ثمنًا غاليًا، إذ تعرض أبناء العائلة للاعتقال والملاحقة والاعتداء الجسدي، ومنهم من اعتقل وأبعد عن أرضه بالقوة، وآخرين أُلقوا بأجسادهم أمام أنياب جرافات الاحتلال، رفضًا لتجريفها ومصادرتها.
وأراضي وادي الربابة البالغ مساحتها 100 دونم، مهددة جميعها بالمصادرة لصالح إقامة مشاريع استيطانية و"حدائق توراتية"؛ فأطماع الاحتلال بهذه المنطقة الخضراء لم تتوقف يومًا، وما زال يخطط لإقامة مشروع تهويدي عملاق فيها.
استهداف ممنهج
ويقول سمرين لوكالة "صفا": إن "سلطات الاحتلال تستهدف أراضينا منذ سنوات طويلة، لكن الهجمة الإسرائيلية تصاعدت مع بداية تفشي أزمة كورونا، أي قبل عامين، إذ استغلت ما تُسمى سلطة الطبيعة الأزمة وشرعت بالعبث بأراضينا وتجريفها".
ويضيف "لم يكن أمامنا كأصحاب أراضٍ إلا أن نتصدى لجرافات الاحتلال بصدورنا العارية، ونمنعها من العمل في الأرض، والسيطرة عليها".
30 دونمًا تمتلكها عائلة سمرين يتهددها خطر المصادرة لصالح إقامة "الحدائق التوراتية"، مع أنها تمتلك أوراقًا ووثائق طابو تُثبت ملكيتها لتلك الأراضي كما باقي السكان، ولا يجوز للاحتلال التصرف فيها.
ودائمًا ما تقتحم طواقم "سلطة الطبيعة" أراضي سمرين، وغيرها في وادي الربابة، بحجة القيام بأعمال "البستنة والتنظيف"، لكنها في الحقيقة تستخدم أساليب مزيفة من أجل اقتحام أراضيهم والسيطرة عليها.
لكن أفراد العائلة يتواجدون يوميًا في أراضيهم لحمايتها والحفاظ عليها وزراعتها بأشجار الزيتون والخضروات، رُغم ما يتعرضون له من ملاحقة واعتقال وإبعاد.
وتشكل زراعة أشتال الزيتون رسالة للاحتلال- كما يؤكد سمرين- "بتجذرنا في أراضينا التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، وحافظنا عليها، ونفي ادعاءات سلطة الطبيعة بإهمالها وتركها".
ولم تكتف سلطات الاحتلال بمحاولاتها للاستيلاء على الأراضي، بل لاحقت على مدار الأشهر العشرة الأخيرة، أفراد عائلة سمرين، واعتدت عليهم بالضرب المبرح، واعتقلت 25 شابًا منهم أثناء تصديهم للجرافات ودفاعهم عن أراضيهم، ومنهم من أبعدتهم قسرًا.
معارك قانونية
ويخوض أهالي الحي معارك قانونية في محاكم الاحتلال لمنع مصادرة أراضيهم، والعمل فيها، لكن تلك المحاكم تماطل في استصدار قرارها النهائي بشأن ذلك، باعتباره أصبح قضية سياسية وليست قانونية.
وبهذا الصدد، يقول سمرين: إن "محكمة الاحتلال لم تُعط حتى اللحظة أي قرار بشأن قضية أراضي وادي الربابة، رغم مرور نحو 50 يومًا على آخر جلسة عُقدت في 10 شباط/ فبراير الماضي، وتنتظر القاضية أوامر من المخابرات بشأن قضيتنا".
ويضيف "نحن نرفض ذلك جملة وتفصيلًا، ولن نعتمد على قرارات محاكم الاحتلال ولا غيرها في وجودنا بأراضينا، كونها جزءًا لا يتجزأ من المنظومة الإسرائيلية، ومتآمرة مع بلدية الاحتلال والمستوطنين".
وتبث "سلطة الطبيعة" إشاعات كاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي والصحف العبرية بأن أراضي وادي الربابة أصبحت في قبضتها، وتحث الطلاب اليهود على زيارتها، وهذا ما نفاه أصحاب الأراضي بتأكيدهم على تواجدهم الدائم فيها، وإفشال تلك المخططات.
ويلفت إلى أن "سلطة الطبيعة" عملت على تحويل جزء من الأراضي لمسارات دينية توراتية للمستوطنين، ووضعت سلاسل حجرية، وجدران استنادية تحوي رموزًا وشعارات توراتية، وتعمل ليل نهار من أجل وضع يدها عليها وتهويدها.
تشبث بالأرض
ويؤكد "هذه أراضينا ومن حقنا أن نحافظ عليها ونزرعها، وكل محاكم الاحتلال لا تستطيع أن تنتزعها منا، لأننا أصحاب الحق، ولن نتخلى عنها مهما كان الثمن".
وإلى جانب عائلة سمرين، تعود ملكية أراضي وادي الربابة لعائلات العباسي، قراعين، حجاج، عايد، عودة، حسن الشيخ، أبو شافع، الزغل، أبو رميلة، صيام المندوب، أبو سنينة، شقير، الشويكي، دعنا، وأبو خاطر.
وتسطر هذه العائلات أروع مشاهد الصمود والثبات في مواجهة الاحتلال ومؤسساته التي تحاول الاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم في بلدة سلوان، وتهجيرهم منها.
وتخطط بلدية الاحتلال ووزارتي "شؤون القدس" والمواصلات لإقامة قاعدة للقطار الهوائي التهويدي في وادي الربابة وجسر معلق بين ضفتيه، ومركز زوار لغسل أدمغة السياح واليهود، وحدائق توراتية ومنشأة إضافية لشفط عيون وآبار مياه سلوان.