الفقر والقهر يخيّمان على منزل عواد أبو هندي، المتهالك بمخيم الشاطئ غرب غزة، في وقت توقّفت فيه صرف "مخصصات الشؤون الاجتماعية" لنحو 80 ألف عائلة فقيرة في قطاع غزة، حيث تأتي تلك المساعدة بالشراكة بين السلطة الفلسطينية والاتحاد الأوروبي.
ويقول أبو هندي في حديثه لمراسل صفا: "الله وحده يعلم كيف أدبّر أموري الحياتية.. أواصل الاستدانة بشكل شبه يومي لأوفر قوت الطعام لأبنائي، والكثير بات يعزف عن تسليفي لمعرفته المسبقة أنني لن أستطيع السداد".
ويعيل الهندي 10 أفراد، فيما تعاني زوجته من ورم سرطاني وبحاجة لعلاج ومتابعة كل 3 شهور، ولديه 5 بنات و3 أبناء، مؤكدًا عدم وجود أي معيل لأسرته.
وقبل أكثر من عام كان يحصل على دفعة من مخصصات الشؤون بقيمة 1800شيكل، وتدنت في آخر دفعة منتصف العام الماضي لتصل أقل من النصف، ومنذ ذلك اليوم لم يتلقّ أي دفعة.
توقّفت حياتنا
مرارة الفقر والأسى لم يغيبا أيضًا على الأرملة نفوذ الغصين (63عامًا)، قائلةً في حديثها لمراسل صفا "وضعي بات تحت الصفر، وبت ملاحقة بالديون.
ويمكث معها في منزلها بحي الشجاعية 4 أبناء بالإضافة لحماتها المسنة القعيدة، حيث يحتاج كلاهما إلى نحو 500 شيكل شهريًّا كأدوية وعلاج، في وقت زادت فيه معاناتهم وهم ينتظرون مخصصات الشؤون.
المواطنة غصين تعيش هي الأخرى بمنزل متهالك مسقوف بالصفيح، قائلةً "كنت انتظر مخصصي الاجتماعي كي اكسيه بالنايلون، لكننا اليوم نغرق باستمرار، ونعيش بفضل جهود أهل الخير الذي ترأفوا بوضعنا المعيشي".
وتقول: "شيك الشؤون كان ينقذني ويساعدني كثيرًا؛ فأنا أعتمد عليه في تعبئة الغاز وشراء العلاج والخضرة ولوازم البيت؛ ما ذنبنا في هذه الأزمة المالية؟ أليست مساعداتنا تأتي دعمًا من الاتحاد الأوروبي".
وتبعث الغصين رسالة للمسؤولين للعمل على صرف مخصص مالي سريعًا قبل شهر رمضان، وأن يراعوا الفقراء في غزة؛ كفاكم إذلالنا لنا على هذا الشيك المالي".
ما ذنبنا؟
ويتساءل المسن محمد الدارين (65عامًا) عن ذنب تلك الأسر من العيش بمعاناة، في وقت تتذرع فيه السلطة الفلسطينية عن وجود أزمة مالية؟
وبقهر يقول الدارين في حديثه لمراسل صفا " دخيلكم اعملوا معنا معروف لا تحطوا الناس اللي مثلنا بالمناكفات؛ احنا بدنا نعيش فقط؛ نحن هنا ميّتون وضحية للانقسام".
ويعيل محمد الدارين 6 أبناء، وهو مريض بالربو، في وقت أنهكه علاج ابنه الأصغر "18عامًا" بعد إجراء عدة عمليات جراحية في قدميه، مضيفًا "توقفت عن علاجه، بالكاد أستطيع توفير الطعام لعائلتي".
ويوجه رسالة للمسؤولين "اتقوا الله فينا، ديون الدكان تطاردنا، كل شيك شؤون كنت اتقاضاه كان يذهب لسداد الدكان والصيدلية، هل تعلمون ما حالنا الآن؟
خيمة اعتصام
ولليوم 23 على التوالي تقيم الهيئة العليا للمطالبة بحقوق فقراء ومنتفعي الشؤون الاجتماعية في قطاع غزة خيمة اعتصام أمام مقر "UNDP" بمدينة غزة؛ للمطالبة بصرف مخصصات الأسر الفقيرة في غزة، بعد توقفٍ دام لأكثر من سنة.
ويؤكد المتحدث الإعلامي باسم اللجنة صبحي المغربي أن هدف إقامة خيمة الاعتصام تأتي لإيصال رسالة للرئيس محمود عباس أنه "كفى تسويفًا ومماطلةً للأسر الفقيرة، فمعاناتنا فاقت الجبال".
ويقول المغربي: يمر اليوم 456 يومًا عن وقف صرف تلك المخصصات؛ أي ما يزيد عن 15 شهرًا، متسائلاً: لماذا سياسة العقاب الجماعي بحق الأسر الفقيرة؟
ويبلغ عدد الأسر الفقيرة المستفيدة من مخصصات الشؤون الاجتماعية في قطاع غزة نحو 81 ألف أسرة، وفي الضفة 36 ألف أسرة، في حين أن هناك ألاف الأسر على قائمة الانتظار، بحسب وزارة التنمية الاجتماعية.
ويقول المغربي "يمر علينا بعد أيام شهر رمضان المبارك دون أن يتم صرف شيكات الشؤون؛ في وقت تدّعي فيه السلطة الفلسطينية أن الاتحاد الأوروبي لا يريد استئناف دعمه؛ لكنها تتخذ من ذلك شمّاعة لوقف صرف المخصصات لنا".
ويساهم الاتحاد الأوروبي في موازنة برنامج الحماية الاجتماعية "الشؤون الاجتماعية" بنحو 40% في وقت أن السلطة تكمل الموازنة وتدفع لهذا البرنامج ما نسبته 60%، وهي من عوائد الضرائب والمقاصة من معابر غزة، على حد تعبير المغربي.
ويشدد على أن الهيئة العليا للمطالبة بحقوق فقراء ومنتفعي الشؤون الاجتماعية في قطاع غزة بصدد القيام بخطوات تصعيدية؛ إذا لم تستجيب السلطة بصرف المخصصات بشكل عاجل قبل شهر رمضان المبارك.
ويؤكد المغربي أن الهيئة عزمت أمرها بمواصلة الاحتجاج داخل الخيمة طوال شهر رمضان، وسنوجه الأنظار لجميع مراكز الحقوقية والحقوقيين وفي الخارج للضغط على السلطة للقيام بواجبها الوطني تجاه الأسر الفقيرة.
وبحسب الهيئة العليا للمطالبة بحقوق فقراء ومنتفعي الشؤون الاجتماعية، فإن الفقراء حرموا من 7 مخصصات مالية كانت مخصصة لهم بين عام 2017 ولغاية عام 2020، في ظل أن الاتحاد الأوروبي كان يوفي بوعوده.