مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية مراحل متطورة من العنف، قامت شركة "ميتافيرس" المالك لمنصات التواصل الاجتماعي" فيس بوك وإنستجرام وواتس أب" بتعديل سياستها المتعلقة بخطاب الكراهية للسماح بالتحريض على العنف ضد الجنود والقيادات الروسية عبر منصاتها.
هذه الخطوة لاقت استهجاناً وغضباً من النشطاء والأحرار والمؤسسات حول العالم بسبب قيام هذه المواقع بإغلاق العديد من الحسابات المناصرة للقضية الفلسطينية، والمناهضة للانتهاكات الإسرائيلية بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وقيامهم بحملات إعدام رقمية ضد المحتوى الفلسطيني بحجة مخالفة المعايير والحض على الكراهية.
وأكد ناشطون وقانونيون خلال أحاديث منفصلة لوكالة "صفا"، على أن تعديل شركة "ميتافيرس" لسياستها، ازدواجية بالمعايير وكيل بمكيالين، وأن نزاهة واستقلالية هذه الشركة التي تعمل انطلاقا من الولايات المتحدة الأمريكية خدعة باتت مفضوحة، كونها أداة من أدوات التفرد الأمريكي وتخضع للحسابات السياسية الغربية.
وبالتالي يجب مقاضاتها والضغط عليها لأجل إنصاف المحتوى الفلسطيني في فضح جرائم وانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي على الأقل أسوة بما تفعله مع الغزو الروسي لأوكرانيا.
ويرى هؤلاء أن ثقة المستخدم العربي اهتزت بهذه المنصات وبالشركات الأمريكية، وأن المراهنة عليها في الأوقات العصيبة بات أمر مستبعد مما يثير حالة من استفزاز الذات نحو توفير بديل إقليمي أو عربي لهذه المنصات.
نظرة استعمارية
ويقول الكاتب والناشط في الإعلام الدولي أحمد أبو ارتيمة لـ "صفا" إن هذه المنصات التي أشبعتنا بالقيم الغربية وبالحريات انتهكت وبشكل فاضح حقوق الإنسان من غير العرق الأبيض ذو العيون الملونة عندما حاربت المحتوى الفلسطيني الذي يفضح الاحتلال الإسرائيلي بينما سمحت باستخدام مصطلحات ومحتويات العنف ضد الجنود الروس في أوكرانيا.
ويضيف أبو رتيمة "هذا مؤشر أن الغرب وأمريكا لم يتخلصان من النظرة الاستعمارية فيما يتعلق بالتعامل مع الشرق الأوسط والشعوب العربية، فاجتياح روسيا لأوكرانيا انتهاك لسيادة الدول، فيما الجرائم الأمريكية في الصومال والعراق من قتل وتشريد دفاع عن الديمقراطية العالمية، وتشجيع التطوع ضد الغزو الروسي بينما ما يقابله من جهاد ضد الاحتلال الإسرائيلي يعد إرهابا".
ويتابع: "يحرم الفلسطيني من حقوقه بالتعبير عن رأيه فيما يخص الاحتلال والترويج لروايته، بينما لم تخجل هذه الشركات من السماح بإعلانات ممولة تحرض وتدعو للعنف ضد الجنود الروس"، مشيرًا إلى أن سقف الحريات منخفض وغير مسموح أن يتجاوز الحسابات والمصلحة الأمريكية والغربية".
ويلفت الكاتب أبو ارتيمة إلى أن انحدار هذه الشركات والمنصات لاستخدام معايير مزدوجة لأغراض وسياسات استعمارية ينتقص من رصيد ثقة المستخدم، "فما كان غامضاً أو مثارًا للشك أصبح جليًا" وبالتالي لا يمكن المراهنة على هذه المنصات والشركات ويجب البحث عن بديل لها.
ويذكر أن هذه المنصات لا تسمح من طرفها بالتعبير عن وجهة نظر تتعارض مع مصالح الغرب و"إسرائيل"، "فالفلسطيني محاصر بالانحياز والتواطؤ الغربي مع القاتل والذي وصل لحد المشاركة والتشجيع على القتل عندما حجب الرواية الفلسطينية عن فضح جرائم الاحتلال فيما أبقى على الرواية الإسرائيلية والغربية الاستعمارية".
ويؤكد الكاتب أبو ارتيمة أن المهمة الآن والتي يتشارك بها الجميع تتجه نحو تقوية الموقف السياسي والشعبي الفلسطيني ويجب أن يتجه نحو إيجاد تكنولوجية بديلة تعزز نشر الأفكار والآراء بعيداً عن سقف الهيمنة الغربية والأمريكية.
وعبر تغريدات على حساباتهم الشخصية، يقول نشطاء وكتاب إن حرية المستخدم خدعة وأن من يقف خلف هذه الشركات هو من يُحدد لنا خوارزميات التصفح، مشددين على أن هذا الانحياز يدفع الفلسطينيين ثمنه يوميا، من سلامتهم وحقوقهم وأرواحهم، جراء حجب المحتوى الذي يفضح ويوثق جرائم الاحتلال الإسرائيلي.
تحيز فاضح
ويقول الناشط والمحاضر في الجامعة الإسلامية رفعت العرعير إنه صدم عندما سماع خبر سماح شركة "ميتا" بازدواجية المعايير ما دفعه للتأكد من دقته كونه يبدو كمزحة أكثر منها حقيقة.
ويضيف " بعد التأكد ظَهر التحيز للاحتلال الإسرائيلي وللعرق البيض في أبغض صوره ضد الرواية الفلسطينية، ولوكان الفلسطيني من ذوي العيون الزرقاء لكان الانحياز في اتجاه آخر، والديمقراطية الغربية لازالت تذكرنا بأنها زائفة وأن القوانين الدولية وجدت لحماية الإنسان الأبيض الغربي".
ويتابع: "الولايات المتحدة ارتكبت الفظائع بالمقارنة مع ما يحدث بين روسيا وأوكرانيا وكذلك بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي، وفي الوقت الذي كانت هذه الدول تطالب بوقف الاعتداءات في أوكرانيا كانت طائرات الاحتلال تقصف في سورية وفي فلسطين".
ويشير إلى أن الأحرار حول العالم مطالبون باستثمار هذا التناقض وهذا الانحياز لفضح هذه الممارسات والازدواجية واستثمارها في الجانب القانوني لرفع قضايا على هذه الشركات لإنصاف المحتوى الفلسطيني ووقف سياسة تكميم الأفواه وإغلاق الصفحات الداعمة للقضية الفلسطينية.
ويشدد على أنه على الأقل يجب ألا تخضع هذه الشركات لمطالب "اللوبي الصهيوني" بإخراس الصوت الفلسطيني على منصات التواصل الاجتماعي.
الجانب القانوني
وحول مقتضيات الجانب القانوني ومقاضاة هذه الشركات والمنصات والضغط عليها لإنصاف المحتوى الفلسطيني، يقول المستشار القانوني ورئيس مركز حماية لحقوق الانسان أسامة سعد لـ "صفا"، إن الأصل أن يكون الجانب القانوني بعيدًا عن العوامل السياسية، لكنه يستدرك أن ازدواجية المعايير التي عبّرت عنها فيس بوك وإنستجرام وشركة ميتا عكست البعاد السياسية لمن يقف خلف هذه الشركات.
ويذكر أنه من الناحية القانونية فإن الشركة المذكورة تعمل انطلاقا من الأراضي الأمريكية ويمتد نشاطها عبر القارات ولذلك تحكمها القوانين الدولية والقوانين الداخلية فيما يتعلق بعملها داخل الدول، "وهنا تدخل في مسألة تنازع الاختصاصات ".
ويضيف "بالنسبة للحالة الفلسطينية وبشكل عام في باقي الدول تخضع الشركة للقانون الدولي بوصفها شركة تعمل ضمن المواثيق الدولية، وبالتالي يمكن مقاضاتها عبر محكمة العدل الدولية في إطار عمل شركات الاتصالات والاعلام كونها تعمل لا تلتزم بمعايير موحدة ولا تراعي القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة الذي لا يحض على العنف والإساءة واستخدام التمييز العنصري في وسائل التواصل الاجتماعي".
وفيما يخص مقاضاة هذه الشركة داخل الولايات المتحدة، يؤكد المستشار سعد أنه يمكن مقاضاتها من قبل نشطاء ومؤسسات وجاليات بالنيابة عن الشعب الفلسطيني، لأنها لا تلتزم بنفس المعايير والقوانين فيما يتعلق بالمحتوى الفلسطيني بالمقارنة مع محتويات أخرى، وبالتالي من الممكن تقييد نشاطها في فلسطين وإجبارها بالالتزام بنفس المعايير على الأقل.
ويوضح أن التفكير باتجاه رفع قضية داخل الولايات المتحدة ضد هذه الشركات متاح وممكن، لكنه يلفت أن الوصول لنتائج مقبولة للشعب الفلسطيني يبقى مرتبط بمدى نزاهة القضاء الأمريكي.
ويلفت لضرورة التفكير بإيجاد بديل لهذه المنصات والشركات كما فعلت روسيا والصين.